إذا اختلف العلماء في مسألة هل يتبع ما يرتاح له
- الفتوى والمفتي
- 2022-05-02
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (6476) من المرسل ب.ع. من المدينة المنورة، يقول: إذا اختلف العلماء في مسألة فمن يتبع الشخص، هل يتبع المذهب الذي يرتاح له أم ماذا؟
الجواب:
أولاً: إن الخلاف تارةً يكون خلافاً لفظياً، وتارةً يكون خلافاً معنوياً، وإذا كان الخلاف لفظياً وضابطه أنه يمكن الجمع بين القولين أو الأقوال، فهذا ليس أحد القولين أو أحد الأقوال بأولى من القول الآخر أو الأقوال الأُخر.
وإذا كان الخلاف في المسألة خلافاً معنوّياً، فلا بد من النظر متى نشأ هذا الخلاف، وإذا عرفنا متى نشأ هذا الخلاف؛ فمن هم الذين اختلفوا في هذه المسألة؟
فلا بدّ من تحرير الأقوال، ولا بدّ من معرفة المنزلة العلمية لكلّ صاحب قولٍ، وذلك أن من العلماء من يكون مجتهداً مطلقاً كالأئمة الأربعة، فيقرر القواعد ويستنبط من أدلة التشريع وفق القواعد التي فصلها، فهذا لا شك في اعتبار قوله في علم الخلاف؛ وكذلك من يتفق مع إمامه في الأصول ولكن قد يختلف عنه في بعض الفروع، وهذا -أيضاً- يعتبر قوله في علم الخلاف؛ لأنه يعتمد على أصول إمامه، ومخالفته له في بعض الفروع لا تؤثر في مجمل مذهبه، وهذا يسمّى بمجتهد المذهب. وفيه من يكون مجتهداً لكن في التخريج على أقوال الإمام، وهذا راجعٌ إلى إمامه في الأصول والفروع أيضاً، يقيس على فروعه. ومنهم من يكون مجتهداً في الموازنة بين الثروة الفقهية لإمامه فيبين القول الصحيح والقول الراجح من القول المرجوح. وفيه من يأخذ من المذهب لكن ليست عنده بصيرة في معرفة القول الراجح من القول المرجوح، فالغرض هو: أنه لا بدّ من معرفة منزلة العالم في علم الخلاف؛ بمعنى: إن قوله يكون معتبراً؛ لأن القائلين المختلفين في المسألة لا بدّ أن يكونوا على مستوى من العلم يؤهلهم للنظر بأدلة التشريع، وأخذ الأحكام وأخذ المسائل منها على وجهٍ سليم.
أما إذا كان الشخص لا يحسن الأصول، فمن الأولى ألا يحسن الاستنباط من الأدلة على وجهٍ صحيح؛ لأن استنباطه من الأدلة وهو جاهلٌ في أصول الاستنباط يجعل كلامه فكرياً، ولا يكون كلامه علمياً؛ هذا بالإضافة إلى كونه جاهلاً -أيضاً- في مقاصد التشريع، وكونه -أيضاً- جاهلاً في علوم اللغة، وكونه جاهلاً فيما يتعلق بعلم السنة من جهة المتن، ومن جهة السند، ومن جهة الرجال.
فشخصٌ يكون بهذه المثابة إذا قال قولاً فلا يُنظر إلى قوله، ويُجعل قوله كقول الإمام أحمد مثلاً!
وبالنظر إلى الفقه فهو -ولله الحمد- مدوّن، وفيه كتب مؤلفة فيها بيان مسائل الإجماع، وكتب مؤلفة فيها بيان مسائل الاتفاق بين الأئمة الأربعة أو أئمة ثلاثة من الأربعة، فمثلاً الثلاثة أبو حنيفة، مالك، الشافعي فقط، أو مالك، الشافعي، الإمام أحمد؛ فالمقصود ثلاثة على سبيل التبادل.
وفيه -أيضاً- اتفاق إمامين من الأئمة الأربعة، فما على طالب العلم إلا أن ينظر فيما كتبه العلماء السابقون، ويتأكد من المسألة التي يريد أن يبحثها هل هي من مسائل الإجماع أو من مسائل اتفاق الأئمة؟
وإذا كانت من مسائل الإجماع فمن المعلوم أن الخلاف بعد انعقاد الإجماع واستقراره ليس معتبراً، وإذا كانت المسألة التي فيها الخلاف إذا نظرنا إلى القائلين وجدنا أنهم أئمة، وإذا نظرنا إلى الأدلة التي يُستدل بها وجدنا أنها متقاربة؛ فحينئذٍ الشخص إذا كانت عنده قدرة على النظر في الأدلة من ناحية ترجيح أحد القولين أو أحد الأقوال، ويكون ترجيحه مبنياً على القواعد العلمية، وليس مبنياً على الهوى والرغبة، وقد يكون جاهلاً -أيضاً- فيكون ترجيحه من باب التعسف، فإذا كان مؤهلاً وقادراً على النظر فيها فحينئذٍ يستعمل الترجيح لنفسه، وإذا كان غير قادر فإنه يسأل من هو قادرٌ على ذلك؛ هذا بالنظر إلى الفروع المستنبطة من الأدلة.
ولكن فيه فروع يذكرها العلماء على أنها واقعات، وفيه فروعٌ يذكرها العلماء في كتب الفقه على أنها من باب الفقه الفرضي؛ بمعنى: إن هذه المسألة لو حصلت مستقبلاً فما هو حكمها. وعلى العبد أن يشتغل فيما يحتاج إليه وبخاصةٍ ما يحتاج إليه فيما وجب عليه وجوباً عينياً؛ أما ما وجب عليه وجوباً كفائياً فإذا كان هذا الشخص قد سلك الطريق للتأهل للقيام بالفرض الكفائي، أو كان من الأفراد المباشرين له؛ فإنه يتعين عليه أن يسعى إلى معرفة القول الراجح حسب القواعد، وعندما يُشكل عليه شيءٌ يسأل عنه من هو أعلم منه؛ أما كون الشخص يتخبط في أقوال أهل العلم وفي الأدلة ولكن دون بصيرةٍ. والمقصود بالبصيرة -هنا- أن يكون مؤهلاً تأهيلاً علمياً من جهة الوسائل التي تؤهّله لمعرفة الأحكام؛ وكذلك يكون مؤهلاً بمعرفة مقاصد الشريعة. وبالله التوفيق.