معنى قوله تعالى "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا"
- التفسير
- 2021-07-31
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (6832) من المرسل السابق، يقول: قال سبحانه وتعالى:"وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا"[1] ما معنى هذه الآية؟
الجواب:
هذه الآية فيها بيان أمرين هامين:
أما الأمر الأول: فهو التنبيه على أسباب العقوبات.
وأما الثاني: فهو بيان المسببات التي تترتب على هذه الأسباب.
وهذه الآية يدل على المقصود منها قوله -تعالى-: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"[2]، وآية: "فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ"[3].
فالشخص يحصل منه السبب الذي يستحق بمقتضاه العقوبة، ولا فرق في ذلك بين انعقاد الأسباب من أشخاصٍ كل شخصٍ بحسبه، أو انعقاد الأسباب من أمة؛ مثل: ما انعقدت الأسباب من الأمم الماضية التي قص الله علينا في القرآن، فانعقدت الأسباب الموجبة لغضب الله -جل وعلا- على قومٍ نوح فأغرقهم؛ وهكذا قوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط. والله -جل وعلا- يقول: "مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ"[4]، فانعقدت الأسباب من قبلهم فلما انعقدت الأسباب من قِبلهم عاقبهم الله -جل وعلا-، ولهذا حينما أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون مع أنه يقول: "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى"[5] "مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي"[6] يقول الله لهما: "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى"[7].
فعلى هذا الأساس يجب على الشخص ويجب على الأمة البعد عن عقد الأسباب المُغضبة لله ؛ لأن الله ليس بينه وبين خلقه نسب، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، يقول الله -جل وعلا-: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"[8] وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا هذا هو السبب، لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ هذا هو المُسبب، فالأول انعقد السبب من قبلهم، والثاني رتب الله على هذا السبب ؛ لأن هذا السبب يرضي الله -جل وعلا-، فلما كان هذا السبب مرضياً لله -جل وعلا- رتب عليه مصلحةً لهم، وقوله -تعالى-: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ"[9]، وقوله -جل وعلا-: بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ هذا هو السبب، ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ هذا هو المسبب، فجميع الأمور التي فيها ضررٌ على الناس في البر والبحر هم السبب في ذلك، وكون هو السبب -يعني المعاصي- التي تحصل منهم؛ سواءٌ كانت هذه المعاصي من باب ترك الواجبات، أو كانت هذه المعاصي من باب فعل المحرمات.
وبناءً على ذلك كله فعلى الشخص أن يتنبه وأن يحرص على عقد الأسباب المرضية لله -جل وعلا-، لتترتب عليها مصالح دينية ودنيوية لهذا الشخص، ويتجنب عقد الأسباب التي لا ترضي الله -جل وعلا-؛ وذلك من أجل أن يجنبه الله المفاسد الدنيوية والمفاسد الأخروية، ولهذا عندما نرى أن السرقة سبب وأن الحكم هو القطع، وأن الزنا سبب وأن العقوبة هي الحد على اختلافه، وأن القتل العمد عدوان أنه سببٌ وموجبٌ للقصاص وهكذا، هذه أسبابٌ ليست بمشروعة، وعندما يُقدم عليها الإنسان تُرتب عليها مقتضياتها.
والحاصل من ذلك كله أن على الشخص أن يحرص على مباشرة الأسباب المرضية لله، وأن يتجنب الأسباب المُسخطة لله -جل وعلا-، وإذا باشر الأسباب المغضبة لله فلا يلومن إلا نفسه. وبالله التوفيق.