توجيه نصيحة لمن يقع في المعاصي مراراً
- فتاوى
- 2022-02-11
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (11242) من المرسل السابق، يقول: أرجو توجيه نصيحة لمن يقع في المعاصي مراراً؟
الجواب:
من المعلوم أن الله كلف عباده في الأوامر والنواهي، ووكل به ملائكة: ملكين من صلاة الفجر إلى صلاة العصر، وملكين من صلاة العصر إلى صلاة الفجر. أحدهما على اليمين والثاني على اليسار، الذي على اليمين يكتب الحسنات، والذي على اليسار يكتب السيئات. هذه الأعمال التي تحصى على الإنسان سواء كانت حسنة أو كانت قبيحة تحفظ. وإذا جاء يوم القيامة يقال له: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[1]، ويقول الله: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[2].
وثبت عن الرسول ﷺ أنه قال: « ما من أحد منكم إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان »؛ بمعنى: إنه يقرر عليه؛ لأن فيه أسئلة يُسأل عنها العبد يوم القيامة، منها: لم فعلت؟ وكيف فعلت؟
لم فعلت؟ هذا من جهة القصد. وكيف فعلت؟ هذا من جهة المتابعة.
يعني هل العمل الذي عملته هو موافق للشرع؟ أم أنه مخالف للشرع؟
وعلى هذا الأساس: إذا عرضت الأعمال على الإنسان يوم القيامة، وأنكر قال: أنا ما عملت هذه الأمور. الله -جلّ وعلا- يقول: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[3]، ويقول الله جل وعلا: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)}[4]، ففيه خمسة شهود يشهدون عليك، والشاهد السادس قوله -جلّ وعلا-: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[5]؛ بمعنى: إن الأرض تشهد عليك بجميع ما عملته عليها، فهؤلاء ستة شهود يشهدون عليك في الأعمال التي عملتها.
بناء على ذلك كله: يجب على الإنسان أن يقف مع نفسه وينظر خلال أربع وعشرين ساعة، هل هذه الساعات التي مرت أشغلها في معصية الله؟ أم أنه أشغلها في طاعة الله؟ أم أنه جمع بين الأمرين؟ يعني: أشغل وقتاً في الطاعة، وأشغل وقتاً في المعصية، فعليه أن يحاسب نفسه دائماً. عمر -رضي الله عنه- يقول: « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر... » إلى آخر الأثر.
فالعبد إن كان مستقيماً عليه أن يشكر الله، وأن يستمر على هذه الاستقامة. وإن حصل منه معصية فلا ينسى نفسه، وعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه. يقول الله -جلّ وعلا-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[6].
والمهم من هذا الكلام كله هو:
أن الشخص عليه أن ينتبه لنفسه، فإن وقع في طاعة فهذا من توفيق الله، وإن وقع في معصية فكما قال الله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[7]، فعليه أن يسارع ويتوب إلى الله؛ لأنه لا يدري متى يفاجئه الأجل، فقد ينام في بيته ولا يستيقظ إلا في البرزخ، عندما يأتي إليه الملكان في القبر يسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وقد يدخل إلى بيته ولا يخرج إلا إلى المقبرة، أو يخرج من بيته ولا يرجع إليه، أو يصاب بشيء من الأمراض في سمعه، أو في بصره، أو في لسانه، أو في قوته عموماً؛ يعني: يكون مقعداً؛ لأن الله على كلّ شيء قدير. وهذه الحلقة لا تتسع لأكثر من ذلك. وبالله التوفيق.