Loader
منذ 3 سنوات

أحب أن أحفظ القرآن وأن أطلب العلم، فما الطرق التي تدلوني عليها لسلوكها؟


الفتوى رقم (6387) من المرسل السابق، يقول: أحب أن أحفظ القرآن وأن أطلب العلم؛ لكني أجد مشقة في ذلك، فما الطرق التي تدلوني عليها لسلوكها؟

الجواب:

        لا شك أن القرآن كلام الله -جلّ وعلا- ولهذا يقول بعض السلف: « من أراد أن يكلمه الله -جلّ وعلا- فليقرأ القرآن ». والقرآن يحتاج إلى فهم معانيه، فالشخص عندما يكون عنده عزم على حفظ القرآن لا بدّ أن يتأكد -أولاً- من سلامة نطقه للقرآن، ثم بعد ذلك يحدد في الموضوع الذي يريد أن يحفظه؛ يعني: مثلاً خمس آيات، عشر آيات. ومن المعلوم أن سور القرآن وبخاصة السور الطويلة من غير آخر المفصل، من المعلوم أن السورة الواحدة تشتمل على جملة من الموضوعات. وفيه بعض الطبعات للمصاحف قد وضع فيها تحديد للموضوعات وذلك عند آخر آية من الموضوع يرمز لها بحرف "ع" فوق الآية.   

        وقد يكون حرف "ع" فوق الآية، ويكون -أيضاً- بجانب السطر الذي فيه آخر الآية توضع -أيضاً- ع، فهذا يكون موضوعاً مستقلاً؛ فمثلا إذا نظرنا إلى أول سورة نجد الموضوع الأول منها في بيان أقسام الناس: المؤمنين، الكافرين، المنافقين. فالمؤمنون أربع آيات، والكافرون آيتان، والمنافقون ثلاث عشرة آية؛ هذا فيه بيان أقسام الناس، فيحدد الشخص هذا الموضوع، بعدما يحدد الموضوع تأتي مرحلة أخرى وهي قراءة تفسير لهذه الآيات وذلك من أجل أن يصور المعنى الذي دلت عليه هذه الآيات التي يريد أن يحفظها، ويكون هذا التصور للمعنى سابقاً للحفظ، ويعتني بمعرفة سبب النزول، ويعتني -أيضاً- بمعرفة ما إذا كان بعض الآيات ناسخاً، أو بعض الآيات منسوخاً؛ وذلك من أجل أن يضع هذه الآيات في فكره على وجه سليم. وعندما يتلو هذا القرآن مستقبلاً وذلك بعد التأكد من حفظه عندما يستحضره يحضر له سبب النزول، وتحضر -أيضاً- معاني هذه الآيات؛ فيكون نافعاً له في تدريسه وفي قضائه وفي إفتائه؛ وهكذا في محاضراته، وهكذا بالنظر عندما يُسأل عن حكم من الأحكام فإن موضع هذا الحكم من القرآن يحضر في ذهنه معناه؛ وكذلك يحضر الدليل الذي يشتمل على هذا المعنى. فذكرت الموضوع الأول من سورة البقرة وهي تشتمل على أربعين موضوعاً. والموضوع الثاني هذا من قوله-تعالى-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ"[1] هذا فيه دعوة للتوحيد إلى قصة استخلاف آدم وهي قوله-تعالى-: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"[2]؛ فالمقصود هو أن الشخص يتأكد من سلامة النطق أولاً، ثم يحدد الموضوع ثانياً، ثم بعد ذلك يقرأ تفسير هذا الموضوع، ثم بعد ذلك يحفظه ثم بعد ذلك يكرر هذا الشيء الذي حفظه في الصلاة السرية؛ كالظهر والعصر في الركعتين الأوليين، وهكذا في صلوات النوافل إذا كان يصليها هو سواء كان ذلك في الليل والنهار. ويستمر على ذلك حتى ينهي القرآن ويتعاهد ذلك. وإذا أراد أن يتوسع في معرفة أحكام القرآن؛ وكذلك معرفة تفسير القرآن بعضه ببعض، وكذلك تفسير السنة للقرآن فلا شك أن هذا خير على خير. ومن المعلوم أن المسؤولية تتجه على الشخص باعتبار مسؤوليته فقد يكون الشخص من الأشخاص الذين لا يتوجه إليهم إلا ما كان من الشريعة من باب فرض العين، وقد يكون الشخص من الأشخاص الذين يتوجه إليهم الأمر باعتبار فرض الكفاية؛ كمن يتولى القضاء فإن هذا يتوجه إليه الأمر باعتبار فرض الكفاية.

        أما الشخص إذا كان يريد أن يفعل بنفسه فقط فهذا يتوجه إليه الأمر على حسب فرض العين. ومعنى ذلك أن المسؤولية للتوسع في قراءة تفسير القرآن تكون مختلفة باختلاف الأشخاص. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (21) من سورة البقرة.

[2] من الآية (30) من سورة البقرة.