تفسير قوله سبحانه وتعالى:"وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"؟
- التفسير
- 2021-08-08
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (7426) من المرسل السابق، يقول: ما تفسير قوله سبحانه وتعالى: "وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"[1]؟
الجواب:
نزل جبريل على الرسول ﷺ، فقال: « يا محمد، ربك يقرئك السلام، ويقول: عِش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به »، ويقول الرسول ﷺ: « أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وقليلٌ منهم من يجوز ذلك ».
وجاءت أدلة من القرآن ومن السنة دالة على أن الإنسان له حصة يعيشها في هذه الحياة، والأعمال التي يعملها في حياته مسجلةٌ عليه، فإن معه ملكين من صلاة الفجر إلى صلاة العصر، وملكين من صلاة العصر إلى صلاة الفجر يكتبون حسناته وسيئاته، فملكٌ على اليمين يكتب الحسنات، وملكٌ على الشمال يكتب السيئات، وهذه تحفظ وتعرض على الإنسان يوم القيامة ويُقال له:"اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا"[2]، فهذه الدار هي في الحقيقة ممر وليست بمقر، ودار عمل وليست دار جزاء، دار عمل، ولهذا يقول الله -جل وعلا-: "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا"[3]، ويقول -جل وعلا- في آخر سورة الأنعام: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ"[4]، فهذه الحياة هي ميدان سباق يعيش فيها الإنسان ويعمل فيها ويقدم إلى ما عمله؛ أمّا بالنظر إلى الآخرة فهي دار نعيمٍ لمن رضي الله عنه ودار عذابٍ لمن غضب الله عليه؛ لأن الله -جل وعلا- طيبٌ وخلق الجنة للطيبين، وهم أصحاب الأعمال الطيبة، وخلق النار خبيثةً وجعلها للخبيثين، وهم الذين أعمالهم خبيثة، ويقول -جل وعلا-:"وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا"[5]، فالنار مقر خلودٍ لا يخرجون منها إلا العُصاة يُطهرهم الله سبحانه وتعالى ويخرجهم منها.
أمّا بالنظر إلى الجنة فقد قال -جل وعلا-:"وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ"[6]، وفي آيةٍ أخرى: "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ"[7]، وقبلها: "فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)"[8] فالدار الآخرة هي الحياة التي لا موت بعدها، يعيش فيها الإنسان سواءٌ كان من أهل الجنة أو كان من أهل النار.
وبناءً على جميع ما تقدم فإن على الإنسان أن يحرص على أن يغتنم حياته بما يقرِّبه إلى الله -جل وعلا-، ويبعده عن غضبه ويسأل الله الإعانة على ذلك. وبالله التوفيق.