حكم قطيعة الرحم بسبب النميمة
- فتاوى
- 2021-12-05
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (2508) من المرسلة ل. ط. ع. ر، من حريملاء، تقول: لنا أقارب في نفس البلدة لكننا لا نصلهم ولا يصلونا؛ بسبب النميمة، وإشاعة بعض الكلام الذي لا موجب له من قبلهم، رغم حرصنا على صلة الرحم، فماذا نعمل لكي نصل الرحم؟ وهل علينا إثم في هذه القطيعة إذا لم نصلهم؟
الجواب:
إن الصلة التي تكون بين الأقارب قد تكون من باب المكافأة، وقد تكون من باب ابتغاء الثواب؛ امتثالاً لأمر الله، وخوفاً من العقاب، وتجنباً لنهيه. ولهذا الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- قال: « ليس الواصل بالمكافئ »[1]، وكون الشخص الذي يريد أن يصل قرابته لا يصل إلا قرابةً لا يأتيه منهم أيُ إساءة، هذا لا ينبغي أن ينظر إليه؛ لأن الرسول ﷺ سأله رجلٌ قال: « إن لي قرابةً أصلهم ويقطعونني... »[2] إلى آخر الحديث.
المهم أنه يبذل لهم الإحسان والصلة من قبله، وهم يقابلونه بالضد، فقال الرسول ﷺ: « إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل »؛ يعني: إن إحسانك إليهم هذا يجعلهم يؤنّبون أنفسهم فيما بينهم، وينتقدون أنفسهم، وقد يرجعون إلى النية الحسنة فيما بعد، كما جاءت الأدلة بذلك في قوله تعالى: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)"[3]، وكذلك قوله تعالى: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ"[4]، فالإنسان يقابل ما يأتيه من إساءةٍ من الناس عموماً، ومن الأقارب خصوصاً يقابلها بالإحسان، وقد سأل رجلٌ الإمام أحمد عن السلامة من الناس؟ فقال له: أحسن إليهم، ولا تطلب منهم أن يحسنوا إليك، وتحمّل إساءتهم ولا تسئ إليهم، ولعلك تسلم.
وهذه الطريقة إذا سلكها الشخص مع عموم الناس، وكذلك سلكها مع أقاربه، فإن الأجر يكون له، وإذا عاملوه بالضد، فإن الإثم يكون عليهم.
ومن ناحيةٍ أخرى: إن الأشياء التي تقع فيما بينهم، ينبغي أن يتصارحوا فيها؛ لأنه إذا حصلت المصارحة فقد يكون الكلام الذي نقل كذب؛ ولكن إذا سكت كلّ واحدٍ منهم على ما في نفسه، فتكبر النفوس بالتدريج، ويحصل بينهم تباعد؛ لكن إذا كشفوا الأمر على حسب الحقيقة، فقد يتبيّن أن الواقع خلاف ما حصل فيه الكلام، وبهذا يحصل فيما بينهم التسامح والتعاون. وبالله التوفيق.
المذيع: تشير السائلة إلى أن سبب القطيعة هي النميمة، فلو ذكر للإخوان بعض النصوص التي تحذر من النميمة.
الشيخ: أنا عرّفت النميمة وهي أن تنقل إلى شخصٍ ما قاله فيه شخصٌ آخر على سبيل زرع العداوة والبغضاء بين الاثنين، فتأتي إلى شخصٍ تسمع منه كلاماً في شخصٍ آخر، وقد تثيره أنت من أجل أن يتكلم في ذلك الشخص، من أجل أن تعمل على التفريق بينهما. ثم تأتي إلى ذلك الشخص وتنقل له، تقول: فلان يقول فيك كذا وكذا، فهذه هي النميمة، ثم يتكلم ذلك الشخص بكلام، وتأتي إلى هذا، وتنقل ما تكلم به الشخص الآخر وهكذا، ولا شك أن هذا عملٌ حرام لا يجوز للإنسان أن يعمله؛ هذه حالة.
الحالة الثانية أن يكون بهتاناً؛ يعني: أن تذهب إلى شخصٍ وتقول: قال فيك فلانٌ: كذا وأنت كذابٌ، فهذا يكون من باب البهتان؛ لأنك بهتّه.
وقد يكون لا من باب النميمة، ولا من باب البهتان، ولكن من باب الغيبة، والغيبة ذكرك أخاك بما يكره؛ يعني: إنك تتكلم في أعراض الناس وتسبهم، وليس المقصود منها أنك تبيّن من الصفات ما يستدعي الموقف الشرعي؛ مثل: وصف الإنسان بأوصاف فيها شيء من التنقيص، ولكن المقام يستدعي هذا الأمر، المهم أنك تتكلم فيه بكلامٍ لا يشتمل على مصلحةٍ شرعية؛ وإنما يشتمل على مفسدة، ففيه بهتان ويكون كذباً، وفيه النميمة، وهي نقلك لما تسمعه من كلامٍ من شخصٍ إلى الشخص الذي قيل فيه هذا الكلام، فهذه الأمور كلها محرمة.
ولكن الشيء الذي يحتاج إلى تنبيه هو أن يكون الشخص على بصيرة من الأمر الذي يريد أن ينكره، أو أن يعتقد حرمته؛ لأن الشخص قد ينكر معروفاً، أو يُقر منكراً، وهكذا بالنسبة للإنسان الذي يريد أن يحرّم أو يحلل، فالمقصود أن الإنسان يكون على بصيرة فيما يأمر به، وفيما ينهى عنه. وبالله التوفيق.
[2] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها (4/1982)، رقم(2558).