Loader
منذ سنتين

معنى قوله تعالى : "أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ"


  • التفسير
  • 2021-12-06
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (2640) من المرسل السابق، يقول: ما معنى قوله تعالى: "أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ"[1]؟

الجواب:

 هذه الجملة جاءت في سياق قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، ففي هذه الآية أمر للمؤمنين بأن يستجيبوا لله، وذلك بالعمل بكتابه، والاستجابة للرسول ﷺ، والعمل بسنته. والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج. ونهى عن الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، الربا، وعن أمور كثيرة؛ فحينئذٍ يفعل الإنسان ما أمر به، ويترك مانُهي عنه؛ امتثالاً لأمر الله واجتناباً لنهيه، يرجو ثواب الله ويخاف عقابه.

ثم قال: (لما يحييكم)؛ لأن حياة الإنسان حياةً حسية، وحياةً معنوية، فالحياة الحسية تكون بالمأكل، وبالمشرب، والملبس، وما إلى ذلك؛ يعني: استخدام الأسباب الحسية التي يحيا بها بدنه حسياً، ولهذا إذا احتاج إلى الماء يشرب، وإذا احتاج إلى الأكل يأكل، وهكذا.

وفيه حياةٌ حقيقية، وهي المقصودة، وهي حياة الإنسان في دينه، ولهذا يصاب الإنسان بأمراض حسية، ويصاب بأمراض في دينه، وأمراض في بدنه. والأمراض في البدن لها مستشفيات مفتوحة، يسأل عن أحسن طبيب يتمكن الوصول إليه من أجل العلاج عنده، فهذه أمراضٌ حسيةٌ.

        الحياة الحقيقية هي الحياة الدينية، حياة الروح، وحياة القلب، هذه تكون باتباع الأوامر، وباجتناب النواهي. ويصاب الإنسان بأمراض دينية، فبقدر ما يكون عنده من المخالفات في باب الأوامر وفي باب النواهي، يحصل عنده مرض، وقد يكون المرض قاتلاً، كما يكون المرض الحسي قاتلاً. فيكون المرض قاتلاً إذا كان شركاً أكبر، أو كان كفراً أكبر، أو كان نفاقاً أكبر. ويكون المرض فيه خطورة لكن لا يؤدي إلى الهلاك، إذا كان كبيرةً من كبائر الذنوب، فحينئذٍ يكون هذا فقد جزءاً من حياته الحقيقية بقدر ما ارتكبه من مخالفة أمر، أو من ارتكاب ما نُهي عنه من الأشياء المحرمة. ثم بعد ذلك جاءت الجملة: "وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ"[2] هذه الأسباب التي يفعلها الإنسان امتثال الأوامر أسباب، واجتناب النواهي أسباب؛ يعني: أسبابٌ لحصول مرضاة الله -جلّ وعلا-، وتجنب غضبه -جلّ وعلا-. فهذه الأسباب لا تنفع في ذاتها، وإنما تنفع بفضل الله وبرحمته، وبإحسانه إلى عباده. فلا ينبغي أن يغتر الإنسان بما يحصل منه من امتثال الأوامر، واجتنابٍ للنواهي؛ بل عليه أن يكون خائفاً؛ لأنه يعمل العمل الصالح ولا يدري هل يقبل منه، أم لا؟

وحينئذٍ ينبغي للإنسان أن يعيش بين الخوف وبين الرجاء، ويغلّب جانب الخوف في صحته، ويغلّب جانب الرجاء في مرض موته، ويعتقد في نفسه أن المتصرف وأن النافع والضار هو الله -جلّ وعلا-. فيحول بين الإنسان وبين الإيمان، ويحول بين الشخص وبين الكفر، ويحول بين الكافر وبين الإسلام، لكن هذا لا بدّ من معرفة أن الإنسان هو السبب في ذلك؛ يعني: إن الإنسان يعمل الأسباب حتى ينال رضا الله -جلّ وعلا-، فيحول -جلّ وعلا- بينه وبين الكفر، وقد يغرق في أسباب الشر إلى درجة أنه يهلك، وبهذا يحول الله بينه وبين الإيمان، ويكون هو السبب على حدّ قوله تعالى: "فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ"[3]، ولهذا كان رسول الله ﷺ كثيراً ما يقول: « اللهم يا مصرّف القلوب، صرّف قلبي على طاعتك. ويا مثبّت القلوب ثبّت قلبي على دينك ». فقالت له عائشة: كيف تقول هذا؟ فقال لها: يا عائشة، مالي لا أقول ذلك وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء[4]، فعلى المسلم ألا يغتر بما يحصل منه من طاعةٍ، ولا يحصل عنده يأسٌ وقنوطٌ إذا حصل منه ارتكاب مالا يرضي الله -جلّ وعلا-؛ بل عليه أن يشكر نعمة الله إذا وفقه للخير، ويسأله المزيد من فضله، وأن يقبل منه ما عمل، وأن يصرفه عن كلّ سوءٍ. وإذا وقع في شيءٍ مما يكرهه الله -جلّ وعلا-، فعليه أن يتوب إلى ربه، وأن يستغفره من هذا الذنب، وأن يسأل الله أن يعصمه في مستقبل حياته، ويوفقه للقصد السليم، والعلم النافع، والعمل الصالح. وبالله التوفيق.



[1]) من الآية (24) من سورة الأنفال.

[2] من الآية (24) من سورة الأنفال.

[3] من الآية (5) من سورة الصف .

[4] ينظر: صحيح مسلم، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء (4/2045)، رقم(2654)، والترمذي في سننه، أبواب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن(4/448)، رقم(2140).