حكم من يفتي بما يحرج الناس
- فتاوى
- 2021-12-15
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (4007) من المرسل السابق، يقول: هناك أناس يتعرضون للفتيا، ويفتون بما يحرج الناس، فهل من تعليق على هذا؟
الجواب:
الشخص عندما يتكلم بتحريمٍ أو بتحليلٍ، إما متبرع، وإما مسؤول ومجيبٌ عن السؤال؛ لأن بعض الأشخاص يلقون محاضرات، ويشتركون في ندوات، وفي خلال المحاضرة أو الندوة يصدر منهم أحكامٌ بتحليلٍ، أو تحريمٍ، أو كراهةٍ، أو ندبٍ، أو إباحة، أو أن هذا شرطٌ، أو سببٌ، أو علةٌ، أو أن هذا العمل صحيحٌ، أو غير صحيح. وهذا الكلام الذي يقوله هذا الشخص إما أن يقوله ناقلاً عن غيره من أهل العلم الذين يعتد بقولهم، فإذا نقل عن أحدٍ من أهل العلم يُعتدّ بقوله كالإمام أحمد، أو الإمام مالك، أو الشافعي، أو الإمام أبي حنيفة، فإنه ينسب القول إلى قائله.
أو أن هذا الشخص ينشئ الكلام من نفسه، بمعنى: هو الذي يُحرم ويحلل، ولا يكون في مستوى المسؤولية، فإن الصفة العلمية للشخص على درجات، والبرنامج لا يتسع لاستيفاء هذه الدرجات بكاملها ؛ ولكنني أذكر جملةً منها:
فالدرجة الأولى هو: الشخص الذي يُوصف بأنه مجتهدٌ مطلقٌ، وهذا الشخص الذي يتصف بهذه الصفة يكون هو الذي وضع القواعد لنفسه، وكون هذه القواعد معتمدة على لغة العرب من جهة، وعلى مقاصد الشارع من جهةٍ أخرى، ويستخدم هذه القواعد للاستنباط من أدلة القرآن، ومن أدلة السنة، فيكون مستقلاً في وضع القواعد من جهة، ويكون مستقلاً في التفريع على هذه القواعد فروعاً فقهيةً من أدلة التشريع، من الكتاب والسنة، وهذا يصدق على الأئمة الأربعة، فإن كل واحدٍ منهم مجتهدٌ مطلقاً.
والدرجة الثانية: بعض أتباع كل إمامٍ من الأئمة الذين أخذوا عن أئمتهم، فهم يتبعون إمامهم في أصوله، فلا يخرجون عن تقعيده، ولكنهم في استنباطهم ببعض الفروع قد يتفقون مع إمامهم، وقد يختلفون عن إمامهم، هذا النوع يُطلق عليه العلماء بأنه مجتهد مذهبي؛ لأنه تقيد بأصول إمامه فوصفه العلماء بهذه الصفة.
ومن الصفات: أن يكون الشخص تابعاً لأمامه في أصوله وفي فروعه، بمعنى: إنه يستنبط من أدلة التشريع فروعاً فقهية، بناءِ على قواعد إمامه، فهو لا يخرج عن طريقة إمامه لا في الأصول ولا في الفروع، وهذا يطلق عليه أهل العلم بأنه مجتهد فتوى. وبعضهم يطلق عليه بأنه مجتهد مسائل، فالفرق بين هذه الدرجة والدرجة التي قبلها: أن هذه الدرجة صاحبها متفقٌ مع إمامه في الأصول والفروع.
وأما الدرجة التي قبلها فهو متفقٌ مع إمامه في الأصول، وقد يخالفه في بعض الفروع.
ومن الدرجات العلمية: أن يكون الشخص تابعاً لإمامه في أصوله وفي فروعه، ولكنه يقيس على كلام إمامه، فيخّرج جملةً من الفروع الفقهية على المسائل التي استنبطها إمامه، فهو لا يقوى على الاستنباط من القواعد، ولا يستطيع الاستنباط من الأدلة على حسب القواعد الأصولية ؛ ولكنه يستطيع أن يخّرج على كلام إمامه، ويلحق بعض المسائل بنظائرها من كلام إمامه، وهذا يُسميه العلماء بأنه مجتهدٌ في التخريج.
ومن الصفات التي يتصف بها صاحب العلم: أن ينظر في الثروة الفقهية التي أنتجها إمامه، ويعمل موازنةً بين هذه الأقوال، ويفرق بين الراجح وبين المرجوح، وهذا يسميه أهل العلم بأنه: مجتهد الترجيح.
المقصود: أن هذه جملة من الصفات التي يتصف بها طالب العلم، وعندما ننظر إلى عصرنا الحاضر نجد أن كثيراً من الناس عندهم جرأة، فقد يضع الشخص نفسه موضع المجتهد المطلق، وهو لا يساوي شيئاً من العلم، وإنما جهله بنفسه وما حصل عنده من إعجابٍ بنفسه، وحطٍ من قدر الآخرين، قد يوجد في وقته من هو أعلم منه، أو إنه يطلع على كلام من هو أعلم منه مثل المتقدمين، ولكنه لا يرفع رأساً لا للحي من جهة قوله، ولا للميت من جهة قوله، ولا شك أن الشخص الذي يكون متصفاً بهذه الصفة لا شك أن عنده سفهٌ، وغرورٌ، وإعجابٌ بنفسه.
ومما يؤسف له حقاً: أن بعض طلبة العلم في هذا الوقت أصبحوا ينالون من العلماء المتقدمين، ويتكلمون فيهم، إما من جهة جرحهم، أو أنهم يقللون من أقوالهم عند الناس، وذلك من أجل الحط من قدرهم حتى يلتفت الناس إلى هذا المتكلم، ويعتقد أنه هو الذي ينبغي أن يؤخذ بقوله. فرحم الله امرأً عرف قدر نفسه من جهة، وأنصف لنفسه، وأنصف غيره من جهةٍ أخرى، وراقب الله -جل وعلا- فيما يقول، وفيما يترك، ولولا ضيق وقت البرنامج لتوسعت في هذا الكلام؛ لأنه من المشاكل المُعاصرة. وبالله التوفيق.