Loader
منذ سنتين

هل يجوز للمفتي أن يتخير من أقوال أهل العلم ما يسهل على المستفتي، دون النظر في الدليل الراجح؟


الفتوى رقم (11513) من إخوانكم في بلاد الغرب، يقول: هل يجوز للمفتي أن يتخير من أقوال أهل العلم ما يسهل على المستفتي، دون النظر في الدليل والراجح والمرجوح؛ بل النظر فقط في الأيسر؟ وهل يعتبر هذا من تتبع زلات العلماء؟ وهل هذا المفتي يعتبر من أهل العلم أم مقلد؟

الجواب:

        الشخص عندما يُسأل عن مسألة لا بدّ أن يسلك قبل الجواب عنها هذه الخطوات:

        الأولى: أن يتأكد من الصورة الواقعة؛ لأن بعض السائلين يلقي السؤال على أنه جنس، أو يلقي السؤال على أنه نوع وهي حادثة واقعة معينة. يتأكد ويحدد هذه القاعدة.

        الثانية: ثم ينظر في مناط هذه القاعدة؛ يعني: هل هذا المناط يقتضي المنع أو يقتضي الجواز؛ لأن المناط إذا كان يرتّب مصلحة فهذا يدل على المشروعية بصرف النظر عن درجة المشروعية. وإذا كان المناط يرتّب مفسدة فهذا يكون ممنوعاً.

        الثالثة: بعد هاتين الخطوتين ينتقل إلى موقع هذه المسألة من الشريعة، ينظر أين موقعها من الشريعة؟

        الرابعة: ثم إذا اهتدى إلى الموقع ينظر إلى مناط الموقع، ثم يعمل مقارنة بين مناط الواقعة ومناط الموقع، فإذا صار مناط الواقعة ومناط الموقع متحد هذه خطوات أربع.

        تأتي الخطوة الخامسة وهي إعطاء الحكم على هذه المسألة.

        أما بالنظر إلى كون أن المسؤول يراعي مشاعر السائل ولا يجيبه إلا بشيء يرضيه مع كون هذا الجواب لا يصح من الناحية الشرعية، فالله -سبحانه وتعالى- يقول لنبيه ﷺ: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)}[1]. وقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ}[2] إلى أن قال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[3]. وقال ﷺ: « من التمس رضا الله بسخط الناس -رضي الله عنه- وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ». فهذا الشخص يلتمس رضا الناس بما يكون فيه سخط لله -جلّ وعلا-، والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[4].

        ولا شك أن العلم أمانة عظيمة في عنق صاحبه، فالواجب عليه أن يفتي بما يعتقد أن هذا هو الذي يدين الله به، وليس معنى هذا أن يكون المفتي معصوماً، فقد يكون مخطئاً لكنه لا يجيب جواباً وهو يعقد قلبه على أن هذا الجواب ليس هو الصحيح؛ وإنما أجاب به من أجل أن هذا فلان غني، أو له سلطة، أو أنه سينال منه هو منفعة، أو سيدفع عنه مضرة؛ مع اعتقاده أن هذا الجواب ليس بصحيح شرعاً. وبالله التوفيق.



[1] الآيات (44-47) من سورة الحاقة.

[2] من الآية (33) من سورة الأعراف.

[3] من الآية (33) من سورة الأعراف.

[4] من الآية (58) من سورة النساء.