Loader
منذ سنتين

ما الواجب تجاه الخلافات التي تقع في أمور العبادات والطاعات؟


  • فتاوى
  • 2022-02-03
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (10564) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: ما واجبنا تجاه الخلافات التي تقع بين المسلمين خصوصاً في أمور العبادات والطاعات؟ وجهونا لهذا الموضوع أحسن الله إليكم.

الجواب:

        العلوم مختلفة متنوعة، وكل علمٍ من هذه العلوم -قصدي العلوم المشروعة وليس المقصود العلوم الممنوعة- العلوم الدينية والعلوم الدنيوية، فكل علم من هذه العلوم له أهله، وأهله هم الذين ينتسبون إليه، وانتسابهم إليه يكون مختلفاً على وجه الحقيقة بحسب اختلاف التحصيل الذي حصّلوه من هذا العلم.

        ومن أجل ذلك نجد أن بعض العلماء -علماء الفقه الإسلامي- جعل الفقهاء على مراتب: مرتبة المجتهد المطلق، ومجتهد المذهب، ومجتهد الفتوى، ومجتهد التصحيح، ومجتهد التخريج، ومجتهد المسألة الواحدة، ويأتي المقلد في النهاية.

        وإذا نظرنا إلى علم الشريعة وجدنا أنه عقيدة وفقه. فقهٌ أكبر وهو علم العقائد جملةً وتفصيلاً. وفقهٌ أصغر وهذا الفقه يدخل في مسائل العبادات والمعاملات وما إلى ذلك.

        وإذا نظرنا إلى علم العقائد وعلم الفقه الأصغر وجدنا أنهما يستنبطان أو نقول: يؤخذان من القرآن ومن السنة.

        وإذا نظرنا إلى أخذهما من القرآن والسنة وجدنا أن هذا الأخذ يحتاج إلى توفر جملة من الوسائل يكون الشخص على علمٍ منها، وذلك من أجل استخدامها، فالقرآن عربي، والرسول ﷺ عربي، والسنة عربية أيضاً، فلا بد أن يكون على علمٍ من جهة اللغة، علم المفردات من جهة معاني المفردات وتصريفها واشتقاقها، ويكون على علمٍ بعلوم القرآن، وعلى علمٍ بأصول الفقه، وعلى علمٍ بعلوم الحديث، وعلى علمٍ بالناسخ والمنسوخ من القرآن ومن السنة، وعلى علمٍ من أسباب النزول وأسباب ورود الحديث، وعلى علمٍ بمعرفة المتشابه الإضافي في القرآن؛ لأن المتشابه في القرآن منه ما هو متشابه لفظاً، ومنه ما هو متشابهٌ معنىً إضافياً، ومنه ما هو متشابه حقيقي.

        والمتشابه الحقيقي هو الذي استأثر الله بعلمه. والمتشابه الإضافي هذا هو الذي يعلمه العلماء. والمتشابه اللفظي هذا يرجع إلى الألفاظ التي فيها تقديم وتأخير وزيادة؛ مثل: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ}[1]، {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ}[2] إلى غير ذلك من المواضع.

         وبناءً على ذلك: إذا توفرت هذه الوسائل عند الشخص على أيدي المتخصصين والمتمكنين؛ يعني: التي يقرؤها هو من الكتب فقط. لا يحتاج إلى أن يقرأها على متمكنين في العلم، عند ذلك يبدأ نظره ويكون مؤهلاً ليكون طرفاً من طرفي الخلاف؛ أما وجود خلاف بين شخصين أو بين عدة أشخاص إذا نظرنا إلى كل واحدٍ منهم وجدنا أنه غير مؤهلٍ؛ لكنه يُدخل نفسه في الموضوع الذي هو موضوع البحث يُدخل نفسه فيه وهو غير كفء للدخول فيه ويتكلم كلاماً فكرياً يعتقد في نفسه أنه كلامٌ شرعي، وهذه النقطة هي من أعظم أسباب الخلاف الذي يحصل بين المتناقشين أو المتباحثين أو المختلفين؛ لأن أصول الخلاف في هذه الشريعة ترجع إلى ثلاثة لا رابع لها:

        أما السبب الأول: فهو يرجع إلى طريق الدليل، وهذا بابٌ واسعٌ وفيه كتبٌ مؤلفةٌ.

        والسبب الثاني: يرجع إلى متن الدليل، وما يرجع إلى متنه قد يرجع إلى اللفظ، وقد يرجع إلى المعنى.       

        والسبب الثالث: ما يرجع إلى بقاء هذا الدليل سالماً من جميع العوارض، أو أنه عرض له عارضٌ فتجد الأشخاص الذين يبحثون في مسألةٍ ما لا يكونون مؤهلين في معرفة هذه الأسباب.

        والنصيحة للشخص أنه إذا أراد أن يدخل في مسألةٍ ما فلا بد أن يتوفر فيه العلم الكافي لهذه المسألة لا من جهة الوسيلة ولا من جهة الغاية. والله -تعالى- يقول لنبيه محمدٍ ﷺ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[3]، ويقول: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} إلى أن قال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[4].

        وبهذه المناسبة فإن كثيراً مما ينشر في الصحف أو يُلقى في وسائل الإعلام إذا نظرت إلى الشخص الذي تكلم بهذا الكلام تجد أنه خالٍ من العلوم الشرعية، أو أن عنده شيء منها؛ لكنه غير مؤهل تأهيلاً شرعياً كافياً لأن يتكلم في هذا الأمر الذي تكلم به؛ فتجد أنه يسب علماء مجتهدين اجتهاداً مطلقاً قد ماتوا، أو يتكلم في شيء من مؤلفاتهم، أو يتكلم في بعض الأشخاص الموجودين، أو يتكلم في بعض المسائل وتكون عنده جرأة يحلّل ويحرّم ويعتقد أن الكلام الفكري الذي قاله إنه هو الكلام الشرعي.

         وبناءً على ذلك كله: فعلى كل شخصٍ يريد أن يتكلم في الأمور الشرعية عليه أن يعلم أن هذا الكلام الذي سيقوله أنه مسطرٌ في صحيفة عمله نهاراً إن قال ذلك نهاراً، وفي صحيفة عمله ليلاً إن قال ذلك ليلاً،  وأنه سيعرض عليه يوم القيامة وسيسأله الله -جل وعلا- من أين أخذت هذا العلم؛ فعلى كل شخصٍ أن يحاسب نفسه قبل أن يُحاسب، وأن يتأهب للعرض الأكبر بين يدي الله -جل وعلا- وبالله التوفيق.



[1] من الآية (12) من سورة فاطر.

[2] من الآية (14) من سورة النحل.

[3] من الآية (36) من سورة الإسراء.

[4] من الآية (33) من سورة الأعراف.