تفسير هاتين الآيتين:"وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ ......" وقوله تعالى:"وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ......"
- التفسير
- 2021-10-05
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (2123) من المرسل م. ن. م، يقول: ما تفسير هاتين الآيتين:"وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا"[1] وقوله تعالى:"وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ"[2]؟
الجواب:
أما الآية الأولى فإنها في بيان ما يتعلق بما يقدمه الإنسان من مهرٍ لزوجته في حالة ما إذا رغب عنها، فإذا رغب عنها وأراد أن يتزوج زوجةً غيرها ففي الآية دلالةٌ على أنه لا يرجع إليها فيما دفعه لها، وهذا يُنبه إلى مشكلةٍ موجودةٍ بين النساء والرجال، وهذه المشكلة هي أن بعض الرجال يُسيء المعاملة مع زوجته ويلجئها إلى أن تطلب الطلاق منه وبعد ذلك يفرض عليها ما يريده من مال، ولا ينظر إلى ما قدمه لها، ولو قدمت له ما قدم لها لما رضي به، وهذا لا شك أنه ليس من الأمور المشروعة.
وعلى هذا الأساس فالواجب على كل رجلٍ تكون بينه وبين زوجته علاقاتٌ ليست بحسنة فلا ينبغي له أن يستغل هذا الجانب، وبخاصةٍ إذا كان ذلك منه، أو كان منها وأرادت أن تخالعه، فإنه يفرض عليها مبلغاً عظيماً من المال، وهو لا يجوز له أن يفرض ذلك بل الأمر في ذلك راجعٌ إلى الحاكم الشرعي.
وقوله تعالى:"وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا"[3] هذا من جهة التمثيل وليس من ناحية التحديد، يعني أنه إذا رغب عن زوجته فإنه لا يرجع إليها فيما دفع إليها وإن كان المدفوع مالاً كثيراً، ولهذا قال في آخر الآية:"وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا"[4] يعني أن هذا ليس من الأدب، فلا ينبغي للإنسان أن يسلك هذا المسلك؛لأنه قد يعاقبُ عقوبة تكون رادعةً له عن تكرار هذا في المستقبل، وتكون مُنبهةً له على أن عمله هذا ليس بجائزٍ.
وأما قوله تعالى:"وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ"[5] فهذا فيه بيان أن للمرأة حقاً على الرجل، وأن للرجل حقاً على المرأة، وأن مقتضى الرجولة ليس سبباً في استعمال التعسف مع المرأة، وأن مُقتضى الأنوثة ليس سبباً من أسباب هضم المرأة حقوقها، فحقوق الرجل على المرأة مستمدةٌ من الكتاب والسنة، وحقوق المرأة على الرجل مستمدةٌ من الكتاب والسنة، وعلى كل واحدٍ من الزوجين أن يفهم الذي له والذي عليه، وأن يتعامل مع الآخر فيؤدي ماله ويأخذ منه ما عليه مع وجود التفاهم ووجود التسامح ووجود التعاون.
وأما قوله تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، فهذا فيه بيان وجه فضل الرجل على المرأة، فإنه يفضلها من الناحية التكوينية، ويفضلها من ناحية بعض الأمور الشرعية المتعلقة به ولا تتعلق بها، ويفضلها من جهة أن الطلاق في يده، ويفضلها من جهة أنه قائمٌ عليها من ناحية رعايتها الدينية، والقيام بحقوقها المالية، وما يتصل بذلك، ومسؤولٌ عنها من ناحية المحافظة على كرامتها، ولهذا يقول الرسول ﷺ: « كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته »، وذكر الرجل على أنه راعٍ في بيته ومسؤولٌ عن رعيته، فجعل المرأة مرعيةً للرجل وجعل الرجل راعيا ً عليها ومسؤولٌ عنها، « والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها » فإذاً فيه مسؤوليةٌ على الرجل، ومسؤولية على المرأة، وكل واحدٍ منهما يؤدي الحقوق التي عليه، ويأخذ الحقوق التي له، ولا يتعسف أحدهما على الآخر، فلا يستغل الرجل سلطته على الزوجة، كما يفعله بعض الأشخاص، فيؤذيها بكلامه، ويقصر في حقوقها من الكسوة ومن النفقة، ويسئ التعامل معها إلى غير ذلك من الأمور التي تخرج عن الطريق السليم، وليس معنى هذا أن النقص يحصل من الرجل دائماً، فقد يكون أيضاً من ناحية المرأة من جهة أنها لا تطيعه، ولا تمتثل أوامره، وقد تدخل في بيته من يكرهه، وقد تخرج من البيت بغير إذنه، إلى غير ذلك من وجوه المخالفات، فالمقصود أن الله جل وعلا بيّن أن للمرأة مثل ما للرجل، وبين أن للرجل درجة عليها، وقد ذكرت جملةً من الأمثلة لهذه الدرجة، وعليهما أن يأخذا بقوله تعالى:"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"[6]، وبالله التوفيق.