Loader
منذ سنتين

حديث « لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة »، هل ينطبق على حال المسلمين اليوم؟


  • فتاوى
  • 2022-03-01
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (11532) من المرسل ع. س من أوثال، يقول الرسول ﷺ: « لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه »، هل ينطبق على حال المسلمين اليوم؟ وما المقصود بهم؟ وهل تقليد الشباب لصفات الغرب وسلوكهم ولباسهم يدخل فيه؟

الجواب:

        هذا الحديث من الأحاديث التي تدل على معجزة من معجزات الرسول ﷺ، وهي الإخبار عن أمور مغيبة يذكر أنها ستقع مستقبلاً فتقع كما أخبر رسول ﷺ.

        ومن المعلوم أننا إذا نظرنا إلى الإسلام وجدنا أن الله -سبحانه وتعالى- وضع قواعد، وجعل الأدلة من الكتاب ومن السنة ترجع إلى هذه القواعد. وأن هذا الدِّين مستوفٍ لجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم، وفي أمور دنياهم، وفي أمور آخرتهم. وأنه لا يسع أحد من الإنس ولا من الجن أن يخرجوا عن هذا الدِّين؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- دعا الناس عموماً ودعا الإنس والجن، وأرسل الله محمدا ﷺ ليقوم بتبليغ هذا الدِّين.

        وعلى هذا الأساس: فمعالم الإسلام واضحة، ومعالم الإسلام لها جانبان:

الجانب الأول: من الناحية النظرية.

والجانب الثاني: من الناحية التطبيقية.

        والمقصود بالناحية التطبيقية، هي تطبيق الناس لهذا الدِّين.

        وإذا نظرنا إلى واقع الناس اليوم من ناحية موقفهم من هذا الدِّين وجدنا أنهم أصناف أربعة:

        أما الصنف الأول: فهم أمة الإجابة، وهم الذين تمسكوا بهذا الدِّين تعلموه وعملوا به ودعوا إليه.

        فهؤلاء انطبق عليهم ما ذكره ﷺ من افتراق هذه الأمة أنها ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة قال: « كلها في النار إلا واحدة »، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: « من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ».

        فهؤلاء طبقوا الدِّين من جهة القلب، ومن جهة الجوارح، ومن جهة اللسان؛ طبقوه تطبيقاً كاملاً.

        والصنف الثاني: دُعوا إلى الإسلام ولكنهم لم يقبلوه لا ظاهراً ولا باطناً، وهؤلاء هم الكفار بصرف النظر عن تحديد أعيان المعينين؛ لكنهم لم يقبلوا هذا الدِّين لا من جهة الباطن ولا من جهة الظاهر.

        والصنف الثالث: آمنوا بألسنتهم ولكنهم لم يؤمنوا بقلوبهم، وهؤلاء هم المنافقون.

        هذه الأصناف الثلاثة ذكرها الله -عزوجل- في أول سورة البقرة، فذكر الصنف الأول في آيات أربع وهم المؤمنون، وذكر الصنف الثاني وهم الكافرون في آيتين: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)}[1].

        وذكر الصنف الثالث في ثلاث عشرة آية من قوله -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[2] فهم يصلون  يصومون ولكنهم كفار في قلوبهم.

        والصنف الرابع: هذا الصنف هم يعبدون الله، ولكنهم يعبدونه بغير ما شرع، وهؤلاء هم أهل البدع، ولهذا الرسول ﷺ قال: « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ».

        على هذا الأساس: نجد أن الشخصية الإسلامية هي شخصية متميزة من الناحية النظرية؛ لكن هذا التميز النظري يحتاج إلى تطبيق صادق من أجل أن يظهر عملياً، ولهذا الرسول ﷺ قال: « صلوا كما رأيتموني أصلّي »، وقال: « خذوا عني مناسككم » قالها في مواقع كثيرة من مواقف الحج، وقال: « خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا » قالها في مواضع كثيرة في مواضع الحج.

        ولهذا الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتسابقون إلى معرفة ما يصدر منه من قول أو فعل أو كف فإنهم يتبادرون إلى تطبيق ذلك، وإذا كان منه أمر فإنهم يتبادرون إلى هذا الأمر.

        على هذا الأساس عندما ننظر إلى العالم الآن نجد أن الفِرق التي ذكرها رسول الله ﷺ: « افترقت اليهود على... » فأنت تخرج فرقة واحدة من جميع هذه الفرق، والباقون كما قال ﷺ: « في النار » وهذا يدل على أن المناهج التي يسيرون عليها ليست مناهج صحيحة.

        يبقى بعد ذلك نظرة المسلمين إلى تقليد الكفار، فالرسول ﷺ يقول: « من تشبه بقوم فهو منهم » « ليس منا من تشبه بغيرنا »؛ إلى غير ذلك من الأدلة التي جاءت دالة على ذلك.

        والشخص الذي يريد أن يتوسع في هذا الموضوع عليه بالرجوع إلى كتاب اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية. فهو أحسن ما كُتب في بيان الأمور التي يجوز للإنسان أن يعملها، وإن كانوا يعملونها والأمور التي يجتنبها. وبالله التوفيق.



[1] الآيتان (6-7) من سورة البقرة.

[2] الآية (8) من سورة البقرة.