Loader
منذ 3 سنوات

حكم كسب المال من شجرة القات، وكيفية التخلص من المال الحرام


الفتوى رقم (1963) من المرسل: م. ي، من منطقة فيفا، يقول: ما حكم من كان كسبه ولمدة خمسٍ وعشرين سنة من شجرة القات، هل يعد ذلك الرزق حلالاً أم حراماً، وماذا عليه أن يعمل إذا كان ذلك حراماً ليتخلص من هذا المال الحرام؟

الجواب:

ثبت عن رسول الله ﷺ ، أنه قال: « الحلال بينٌ والحرام بين، وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ لا يعلمهنّ كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه ». الحديث.

فهذا الحديث ذكر فيه الرسول ﷺ أن الحلال بين وأن الحرام بين، وبيان الحلال أن القاعدة التي جرت عليها الأوامر في القرآن وفي السنة أن الله لا يأمر إلا بما فيه مصلحةٌ محضة، أو مصلحةٌ راجحة، وأن الله لا ينهى إلا عما كان مفسدةً محضة أو كانت مفسدته راجحة.

 ومن القواعد المقررة في الشريعة أنه إذا استوى جانب المصلحة وجانب المفسدة في أمرٍ، فإن درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح، ومعنى هذا أنه يكون ممنوعاً.

 وقواعد الشريعة محصورة، والفروع التي ترجع إلى هذه القواعد ليست بمحضورة ؛ لأن هذه القواعد مستوعبة لجميع الجزئيات، فما كان من باب المصالح تستوعبه قاعدة الأوامر، وما كان من باب المفاسد تستوعبه قاعدة النواهي.

فإذا وجدنا مسألةً من المسائل ؛ ولكننا لم نجد نصاً معيناً يدل على حكمها، فإننا ننظر إلى ما ينشأ عنها من المصالح والمفاسد، فنعمل موازنةً بينها، فإذا كانت مصلحة محضة ألحقناها بقاعدة الأوامر، وإذا كانت المفسدة محضة ألحقناها بقاعدة النواهي، وإن ترجح جانب المفسدة ألحقناها بقاعدة النواهي أيضاً، وإن ترجح جانب المصلحة ألحقناها بجانب الأوامر، وإن استوى جانب المصلحة والمفسدة ألحقناها بجانب النواهي.

وبناءً على هذا الكلام الذي سبق: فإن شجرة القات باعتبار ما أعلمه عنها من المفاسد التي اشتملت عليها، وهذا العلم هو نتيجة عن اشتراك في بعض المؤتمرات التي عقدت بخصوص هذه الشجرة، وكذلك التحاليل الطبية التي اطلعت عليها، وكذلك الرسائل الجامعية التي ألفت في هذا من رسائل دكتوراه، وماجستير وما إلى ذلك، هذه الرسائل، وهذه البحوث، اطلعت عليها والنتيجة التي توصل إليها لا بالنسبة للمؤتمرات، ولا بالنسبة للنتيجة التي توصلت إليها هو: أن هذه الشجرة ليس فيها من المصالح إلا ما يجنى من الناحية المادية، والله جل وعلا حينما ذكر تحريم الخمر في سورة البقرة قال:"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا"[1]، ثم بعد ذلك قال:"إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ"[2]، فحرم الله جل وعلا الخمر ؛ لأن مفسدته أرجح من مصلحته، وحينئذٍ يكون القات محرماً بالنظر إلى أن مفسدته أكثر من مصلحته.

 وبناءً على ذلك فإن بيعه وشراؤه محرمٌ، وكذلك نقله، والكسب الذي يكسبه الإنسان منه يكون محرماً، وعلى هذا الأساس فالإنسان الذي عنده شيءٌ من ذلك، فإن الطريق السليم هو أنه يخرجه من ملكه ويخرجه من ماله، ويتصدق به على الفقراء، وهو لا يؤجر عليه أجر الصدقة ، وإنما يكون بمنزلة الإنسان الذي يخرج من أرضٍ غصبها، فهو يخرج من عهدته فقط، أما مسألة الأجر فـ "الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبا"، فهو لا يأجره عليه من جهة أنه صدقة، ولكنه يخرج من عهدته إذا أحسن النية فيما بينه وبين الله، وبالله التوفيق.



[1] من الآية (219) من سورة البقرة.

[2] من الآية (90) من سورة المائدة.