Loader
منذ سنتين

هل يشترط العلم في الدعوة إلى الله أو الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر؟ وما كيفية القيام بهما؟


الفتوى رقم (10729) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: هل الدعوة إلى الله أو الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر يُشترط فيهما العلم؟ وما كيفية القيام بهما؟

الجواب:

        الرسول ﷺ كان يقومُ بوظائف متعددة، فمنها وظيفة تلقي الوحي وتبليغه كما سمعه؛ وكذلك تبليغه السُنة يقول ﷺ: « ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ». وقال الله -جل وعلا-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[1].

        ومن الوظائف التي يقوم بها أنه فردٌ من أفراد هذه الأمة؛ بمعنى: إنه يمتثل ما أمره الله به ويجتنب ما نهاه الله عنه، ولهذا يؤدي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويعتمر، ويحج كفردٍ من أفراد الأمة؛ ولهذا قال الله عنه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}[2]، هذه هي الميزة. ومنها ولاية القضاء، ومنها ولاية الإفتاء، ومنها ولاية الدعوة إلى الله -جل وعلا-. وكل رسولٍ أرسله الله يقومُ بهذه الدعوة؛ فكل واحدٍ منهم يقول: يا قوم، اعبدوا الله. فهذا قيامٌ بالدعوة إلى الله -جل وعلا-.

        والرسول ﷺ يقوم بولاية الحسبة، قال ﷺ: « العلماء ورثة الأنبياء »، فالعلماء هم ورثة الأنبياء وميراثهم للأنبياء هو العلم.

        وبناء على ذلك فإن الشخص الذي يريد أن يقوم بالدعوة إلى الله -جل وعلا- فهو يقومُ بهذا الميراث؛ وهكذا إذا أراد أن يقوم بالحسبة، فعليه أن يتعلم هذا الميراث ويعمل ويدعو ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وإذا كان هذا الميراث ليس عنده؛ أي: ليست عنده أساسيات يستمد منها القيام بالدعوة إلى الله ويميز بين ما كان معروفاً فيأمر به، وما كان منكراً فينهى عنه. فلا بدّ من العلم، ولا بدّ من العمل، ويكون عندما يقوم بالدعوة ويقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصيراً فيما يدعو إليه، ويكون بصيراً فيما يحذر النّاس عنه في دعوته. والمنكر أيضاً الذي ينهى عنه؛ وكذلك يكون حكيماً في ذلك كله، ولهذا يقول الله -جل وعلا- لرسوله ﷺ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[3]. ويكون ناصحاً، ويكون أميناً، ويصبر على ما يأتيه من الأذى.

        فعندما تتوفر هذه الأمور فلا مانع أن يدعو العبد إلى الله -جل وعلا- وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقد تكون الدعوة في حقه بحسب الموضع الذي هو فيه، قد تنتقل الدعوة من كونها فرض كفاية إلى كونها فرض عين؛ وهكذا بالنظر إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ينتقل ذلك من كونه فرض كفاية إلى كونه فرض عين. والانتقال هذا يكون للشخص عندما لا يوجد من هو قادرٌ على الدعوة إلى الله سواه، وعندما لا يوجد من هو قادرٌ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواه؛ فإن من قواعد هذه الشريعة أن الفرض قد يكون فرض عين، ويكون فرض كفاية هذا في الأصل. وفرض الكفاية هو الذي إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.

        أما فرض العين فلا بد أن يقوم به من هو فرضٌ عليه؛ لكن فرض الكفاية قد يكون في بعض الأحوال فرض عينٍ؛ سواء كان على اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة وأكثر من ذلك؛ وذلك إذا كان هذا الأمر لا يقوم بشخصٍ واحد مثلاً، ولا يقوم إلا بهم فإنه ينتقل فرض الكفاية إلى فرض العين. وبالله التوفيق.



[1] الآية (3) من سورة النجم.

[2] من الآية (110) من سورة الكهف.

[3] من الآية (125) من سورة النحل.