Loader
منذ سنتين

شرح هذه القاعدة مع الأمثلة: الضرورات تبيح المحظورات


الفتوى رقم (7107) من المرسل أ.ز. مقيم في المدينة المنورة، يقول: أرجو شرح هذه القواعد مع الأمثلة لكل قاعدة، أول قاعدةٍ يسأل عنها يقول: الضرورات تبيح المحظورات.

الجواب:

        هذه القاعدة قاعدة متقررة من أدلة شرعية من القرآن ومن السنة، وباستقراء هذه الأدلة يحصل أن هذه القاعدة ثابتةٌ بطريق القطع، ولكن تحتاج إلى فهمٍ لمدلولها.

        ومن قواعد الشريعة -أيضاً- أن المسببات تترتب على أسبابها، فيكون السبب شرعياً ويترتب عليه مسببه، فهذه القاعدة مركبةٌ من السبب ومن المسبب، فالسبب هو الضرورة، والمسبب هو استباحة المحظور. والمحظور تارةً يكون ترك واجب، وتارةً يكون فعل شيءٍ محرم ؛ لأن ترك الواجب دون عذرٍ شرعي حرام، وفعل المحرم دون عذرٍ شرعيٍ حرام، والضرورات جمع ضرورة، والضرورة هي حالة يقع فيها الإنسان يخشى من فوات نفسه؛ يعني: يخشى على نفسه من الموت، أو يخشى على فوات عضوٍ من أعضاء بدنه أو منفعة من منافع الأعضاء، فإذا وقع الإنسان في هذه الحالة فلا مانع من أن يستبيح الأمر المحرم؛ لكن ليس هذا على إطلاقه في الشريعة، فالشرك لا يُستباح عندما يقع الإنسان في ضرورة فيُطلب منه الشرك بالله وإلا قُتل أو قطعت يده أو قطعت رجله مثلاً، فالشرك لا يستباح بالضرورة؛ وهكذا قتل النفس بغير حقٍ قتل النفس المعصومة بغير حقٍ لا يستباح بالضرورة، فيقال لشخصٍ: اقتل فلاناً وإلا قتلناك! فلا يُقال: إن الضرورة -هنا- تُبيح المحظور.

        وكذلك الإقدام على الزنا، لا يجوز للإنسان أن يقدم على الزنا بحجة الضرورة؛ لأن بعض الأشخاص يسأل يقول: أنا في بلادٍ بعيدة ولا أستطيع أن أتزوج، فهل الضرورة تبيح لي الزنا؟!

        فالجواب: أن الزنا لا يستباح بالضرورة؛ لكن عندما يحتاج الإنسان إلى أكل الميتة فالله -تعالى- يقول: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ" إلى أن قال: فَمَنِ اضْطُرَّ[1]، فذكر الاضطرار هنا فتباح هذه الأمور عند حالة الاضطرار.

        وفيه قاعدةٌ أخرى تكون مكملة لهذه القاعدة وهي أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامةً كانت أو خاصة، ومعنى ذلك أن الإنسان قد يقع في مشقةٍ يصعب عليه أن يطيقها؛ ولكنه لا يصل إلى درجة فوات النفس، أو فوات العضو، أو فوات منفعةٍ من منافعهن؛ وكذلك بالنسبة لمن هو مسؤولٌ عنه ويكون حامياً له، فتستعمل الحاجة عندما يقع الإنسان في مشقةٍ يصعب عليه أن يتحملها، فحينئذٍ هذه الحاجة تنزل منزلة الضرورة؛ بمعنى: إن الشخص يستبيح المحرم، ولهذا إذا تتبعنا الآيات التي تقرر ذلك منها قوله -تعالى-: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"[2]، "لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا"[3]، وأبلغ آيةٍ جاءت في القرآن في نفي الحرج قوله -تعالى-: "مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ"[4].

        فالمقصود أنه لا بدّ من تحقق السبب أولاً، وبعد ذلك يترتب عليه المسبب؛ سواءٌ كان ذلك من باب الضرورة، أو كان ذلك من باب الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة عامةً؛ يعني: في الناس أو خاصةً في الشخص نفسه.

        وقد ذكرت هذا الكلام جواباً عما سأل عنه السائل على سبيل الاختصار من أجل مناسبة وقت البرنامج، وإلا فهذه القاعدة قد تكلم عليها العلماء كلاماً كثيراً، وهي موجودة في كتب القواعد؛ مثال: كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي، وكتاب الأشباه والنظائر لا بن نُجيم، وهكذا سائر الكتب التي ألفت في رفع الحرج، والكتب التي ألفت في قاعدة المشقة تجلب التيسير، والكتب التي ألفت في الضرورة. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (3) من سورة المائدة.

[2] من الآية (286) من سورة البقرة.

[3] من الآية (233) من سورة البقرة.

[4] من الآية (6) من سورة المائدة.