كيفية عذاب ونعيم القبر لمن يموت في البحار وتبتلعه الحيتان
- البرزخ وعذاب القبر ونعيمه
- 2021-12-05
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (2521) من المرسلة السابقة، تقول: يتردد كثيراً على ألسنة بعض العامة سؤال وهو: أننا نؤمن بعذاب القبر ونعيمه، فكيف يعذّب أو يُنعّم من غرق في البحر وابتلعته الحيتان ونحو ذلك؟
الجواب:
العذاب والنعيم بالنسبة لمن هو في الحياة البرزخية من الأمور التوقيفية، ومن الأمور الغيبية، ولا يستطيع أحدٌ أن يكيّف مجيء العذاب، ولا مدة بقائه، إلا ما دل عليه الدليل، كما في قوله تعالى في آل فرعون مع أنهم غرقوا في البحر: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا"[1]، فهذا فيه بيان أنهم يعرضون على النار في اليوم مرتين! ومن المعلوم أن الروح لا تبقى في البحر، وإنما تكون في المستقر الذي قدّره الله لها، وقد يكون لها صلة في البدن في القبر، أو في بطن الحوت، أو في البحر بالكيفية التي لا يعلمها إلا الله -جلّ وعلا-.
ومن الأمور التي ينبغي للمسلم أن يهتم بها: الأمور التي يحتاج إليها ويطبقها؛ كالطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وما إلى ذلك؛ أما الأمور التي لا يحتاج إليها -كما جاء في هذا السؤال-، فإنه يؤمن به على الكيفية التي أرادها الله -جلّ وعلا-.
وقد جاءت أسئلة في القرآن على وجوهٍ مختلفة، منها ما جاء الجواب عنه، كما في قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ"[2] هذا هو السؤال، "قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ"[3] هذا هو الجواب. "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ"[4].
وجاء نوعٌ من الأسئلة فيه التنبيه على أنه لا ينبغي أن يُسأل مثل هذا السؤال، كما في قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"[5].
وفيه نوعٌ آخر من الأسئلة أن الشخص يُصرف عما سأل عنه إلى ما هو أنفع منه، كما في قوله تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ"[6]؛ لأنهم كانوا يسألون عن ناحيةٍ كونية، وعن سنة من سنن الله الكونية، يسألون عن الهلال لماذا يكون صغيراً ثم يكبر، ثم بعد ذلك يضعف؟ فالله -سبحانه وتعالى- قال لهم: ليس هذا من شأنكم؛ وإنما الذي من شأنكم هو الذي ذكره بقوله: قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ؛ يعني: حكمة من الحكم التي أُوجد لها هذا القمر، فعلى المسلم أن يهتم بالأسئلة التي بإمكانه أنه إذا أُجيب عنها يعمل بها.
أما مثل هذا الجواب فيكفي فيه الاعتقاد بمراد الله -جلّ وعلا- كما قال الإمام الشافعي ‘: "آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسل الله، وما جاء عن رسل الله، على مراد رسل الله". فعلى العبد أن يسلّم تسليماً كاملاً بانقيادٍ تام. وبالله التوفيق.