Loader
منذ 3 سنوات

كيف يتعاهد القرآن، وكيف يحفظ؟


الفتوى رقم (5927) من المرسل السابق، يقول: إن رسول الله ﷺ قال: « تَعَاهَدُوا هذا الْقُرْآنَ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدَّ تَفَلُّتًا مِنْ أَحَدِكُمْ مِنْ الإِبِلِ في عُقلِهَا »[1] متفقٌ عليه، فكيف أتعاهد هذا القرآن؟ وكيف هي الطريقة لحفظه وعدم نسيانه؟

الجواب:

        القرآن كلام الله -جلّ وعلا- وهو أصل التشريع، والسنة جاءت مبينةً للقرآن، والقرآن يشتمل على سور، وهذه السور مختلفة من جهة المقدار، فمن السور من يشتمل على موضوعٍ واحد، ومنها ما يشتمل على موضوعين، ومنها ما يشتمل على ثلاثة وهكذا.

        والشخص الذي يريد أن يحفظ القرآن يحتاج إلى سلوك طريقةٍ تُسهل عليه فهم القرآن من جهة، وحفظه من جهة أخرى.

        هذه الطريقة هي أن الشخص لابدّ أن يكون متقناً لقراءة القرآن نظراً؛ بمعنى: لا يقرأ أو تكون قراءته فيها تحريف ويحفظ وهو يقرأ بهذا التحريف؛ وبالتالي يستذكر ما حفظه محرفاً، فلا بدّ من إتقان قراءة القرآن من جهة النظر، وإذا أتقن الشخص القدر الذي يريد أن يحفظه فإنه يشرع في حفظه؛ ولكن قبل الشروع في حفظه يحتاج إلى أن يحدد الآيات التي يريد أن يحفظها بحيث إن هذه الآيات تكون مشتملةً على موضوع واحد.

        فعلى سبيل المثال سورة البقرة تشتمل على موضوعاتٍ كثيرة:

        فالموضوع الأول: في افتتاحيتها ما يتعلق بالمتقين وصفاتهم وجزائهم.

        الموضوع الثاني: ما يتعلق بالكافرين وصفاتهم وجزائهم.

        الموضوع الثالث: ما يتعلق بالمنافقين ومالهم من الصفات، وما يصدر منهم من أعمال، وما لهم من الجزاء.

        والموضوع الذي بعد هذا من قوله-تعالى-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ"[2] هذا فيه الكلام على الدعوة إلى توحيد الله -جلّ وعلا-. يلي ذلك موضوع استخلاف آدم في قوله-تعالى-: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"[3]، وهكذا نجد أن كلّ موضوعٍ مشتمل على جملة من الآيات.

        فيحتاج الشخص إلى أن يحدد الآيات المشتملة على موضوع واحدٍ فقط، ثم بعد ذلك يقرأ تفسير هذه الآيات من كتابٍ من كتب التفسير الموثوقة من جهة بيان القرآن بالقرآن، ومن جهة بيان القرآن بالسنة، وبأقوال الصحابة، وبأقوال التابعين. ومن أحسن الكتب تفسير ابن كثير، وإن كان لم يشتمل على جميع بيان القرآن بالقرآن؛ لكنه نادر في باب بيان القرآن بالسنة، وفي بيان القرآن بأقوال الصحابة والتابعين. وهذا التفسير يذكر الآيات المتعلقة بموضوعٍ واحد ثم يتكلم عليها؛ فالشخص يعتمد على تفسيرٍ موثوقٍ كما ذكرته سابقاً يفهم الآيات؛ لأن الآيات منها ما يكون عاماً، ومنها ما يكون مطلقاً في دلالته، ومنها ما يكون ناسخاً، ومنها ما يكون منسوخاً؛ إلى غير ذلك من وجوه العلاقة بين القرآن بعضه مع بعض؛ وكذلك العلاقة بين القرآن وبين السنة، وحينئذٍ عندما يفهم معنى هذه الآيات يُكرر قراءتها حتى تثبت في ذهنه على وجهٍ سليمٍ من جهة اللفظ ومن جهة المعنى؛ لأن الشخص يُكرر الآيات على حسب قدرته، ففيه من الناس من لا يستقر الحفظ في ذهنه إلا بعد ترتيب ترديد الآيات التي يريد أن يحفظها خمسين مرة، أو أربعين مرة، أو أقل من ذلك، أو أكثر من ذلك، فكلّ شخصٍ يدرّب حالته ويحفظ على حسب ما يمكنه، وبعد ذلك يحافظ على ما حفظه من جهة كثرة ترداده من ذاكرته، ولا يرجع إلى المصحف إلا في حالة اشتباه حصول خطأ فيما حفظه، فيقرأ ذلك وهو في الطريق ويقرؤه وهو جالس في مجلس من المجالس، يقرؤه سراً، ويقرؤه في صلاته السرية بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر، والركعتين الأوليين من صلاة العصر؛ وهكذا في النوافل والرواتب التي يصليها، وهكذا إذا كان يصلي صلاة الضحى، وفي صلاة الليل، فيكرر ما حفظه، ويحرص على أنه لا يزيد في الحفظ إلا بعدما يتأكد من حفظ ما سبق أن حفظه. وقد تطول المدة وقد تقصر؛ ولكن مع مرور الزمن واغتنام الأوقات وتعاهد هذه الطريقة يمكن للشخص أن يحفظ جميع القرآن؛ وبالتالي يكون قد حفظه من جهة لفظه، وقد فهمه من جهة معناه؛ بالإضافة إلى أن الإنسان يسأل ربه التوفيق لحفظه من جهة، ولفهمه من جهة، وللعمل به من جهةٍ أخرى، ومن جهةٍ أخرى ينبغي -أيضاً- أن يتعاهد الشخص نفسه من جهة اجتناب الموانع التي تعوقه عن حفظ القرآن وفهمه فهماً يعود عليه بالنفع، فقد يتلبّس الشخص بشيءٍ من المعاصي، ويكون ذلك حائلاً بينه وبين القدرة على حفظ القرآن. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب استذكار القرآن وتعاهده (6/193)، رقم(5033)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأمر بتعاهد القرآن(1/545)، رقم(791)، واللفظ له.

[2] من الآية (21) من سورة البقرة.

[3] من الآية (30) من سورة البقرة.