Loader
منذ سنتين

أهمية التوبة إلى الله مع قسوة القلوب والتعلق بالدنيا


  • فتاوى
  • 2022-03-05
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (11894) من المرسل، أ. خ يقول: لعلكم تتفضلون بالحديث عن أهمية التوبة إلى الله والإنابة إليه؛ خصوصًا مع قسوة القلوب والتعلق بالدنيا.

الجواب:

من المعلوم أن الله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان وهذا الإنسان مفطور على الدين، يقول الله -جل وعلا-: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[1] ويقول: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[2] ويقول النبي ﷺ: « كل مولود يُولد على الفطر فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه »، فالبيئة التي يعيش فيها الإنسان -سواء كانت بيئة منزلية، أو كانت بيئة اجتماعية -لها تأثير بليغ في تكوين شخصيته، والتمييز بين ما ينبغي أن يقدم عليه وما ينبغي أن يُحجم عنه، فإذا كان البيت بيتًا صالحًا وصاحبه حقق قول الرسول ﷺ: « كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته، والعبد راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ». ومن هذه الرعاية هي إحسان تربية الأولاد. وتربية الأولاد تكون في بيان ما ينفعهم وحملهم عليه؛ وكذلك تنبيههم على ما يضرهم؛ ولكن الشخص المربي لابد أن يكون مطبقًا لهذه التربية، فلا يأمرهم بخير ولا يفعله، ولا ينهاهم عن أمر ولكنهم يشاهدون أنه يفعله، فإذا تحققت هذه الحصانة المنزلية لهذا الولد فإنه ينشأ نشأة صالحة، وليس بمعصوم قد يعرض له شيء من العوارض، ولهذا جاء في الحديث القدسي: « يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب فاستغفروني أغفر لكم »، فمسألة أن الشخص يحصل منه شيء من التقصير -سواء كان في باب المأمورات، أو كان في باب المنهيات -يُعتبر من الأمور الطبيعية لأنه من البشر، وهكذا بالنظر إلى الحصانة الاجتماعية إذا كان المجتمع صالحاً والشخص يتلقى من هذا المجتمع الأمور الطيبة؛ وكذلك هذا المجتمع يُنبه على الأمور التي ليست بطيبة. والمجتمع يتكون من المدرسة والمسجد؛ يعني: أمكنة الاجتماع؛ وهكذا إلى الجهات التي لها سلطة لها علاقة بالمجتمعات؛ لأن الشخص عندما يكون مسؤولاً فإن هذه المسؤولية لابد من تحقيقها من الناحية النظرية، ولابد من تحقيقها من الناحية العملية. صعد خليفة من الخلفاء إلى جبل عرفة بعد صلاة العصر فرأى كثرة الناس فتعجب من كثرتهم فقال له رجل من بطانته وهذا رجل صالح قال له: أنت أكثر منهم، قال: كيف ذلك؟ قال: كل واحد منهم مسؤول عن نفسه وأنت مسؤول عن نفسك وعن كل واحد منهم. ولهذا جاء في الحديث: « اللهم من ولي من أمور أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمور أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به »، فلابد من حصانة فردية، وحصانة أسرية، وحصانة اجتماعية؛ وكذلك حصانة من الجهة التي تملك التنفيذ وذلك عملاً بقوله ﷺ: « من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فقلبه » فكل شخص عنده استطاعة محدودة، ومسؤول بحكم استطاعته؛ لكن عندما يقع الإنسان في شيء من الأمور فإن الله -سبحانه وتعالى- يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[3]، ويقول -جل وعلا-: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[4] فالمشرك إذا تاب قُبلت توبته، والكافر إذا تاب قُبلت توبته، والمنافق إذا تاب قُبلت توبته. ولا فرق في ذلك بين الشرك الأكبر، والشرك الأصغر؛ وكذلك الكفر الأكبر، والكفر الأصغر؛ وكذلك بالنظر إلى النفاق الأكبر والأصغر؛ ولكن لابد من صدق التوبة؛ يعني: لا تكون توبة باللسان بمجرد ما ينتهي من التلفظ بالتوبة والاستغفار وما إلى ذلك يُزاول المعصية، فلابد من توفر شروط التوبة سواء كانت هذه الشروط فيما يتعلق بحق الله -جل وعلا- أو كانت فيما يتعلق بحق المخلوقين.

وبناءً على ذلك كله فلابد أن يتوب الشخص توبة صادقة فيما بينه وبين الله. وقد تكون حاله بعد التوبة أحسن من حاله قبل التوبة. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (19) من سورة آل عمران.

[2] من الآية (30) من سورة الروم.

[3] من الآية (53) من سورة  الزمر.

[4] من الآية (38) من سورة  الأنفال.