Loader
منذ 3 سنوات

حكم دخول الخادمة المسيحية -مع مكفوليها- مكة مروراً بالسيارة فقط


الفتوى رقم (1369) من المرسلة السابقة، تقول: في طريقنا من جدة إلى الطائف مررنا بمكة، وكانت معنا في السيارة الخادمة المسيحية الخاصة بي، وكان معي من أقاربي من هو أكبر مني سناً، ولم يعارض في دخولها، علماً أنني كنت أعرف أن دخولها إلى الحرم محرم؛ ولكن لم أتكلم بشيء، فتركت الأمر لمن هو أكبر مني، وبعدما وصلنا الطائف تذكر الأقارب سهوهم عن دخول الخادمة معنا إلى مكة، وأكدت لهم أنني في ذلك الوقت كنت على علمٍ أن دخولها محرم؛ ولكن لم أُشعرهم بشيء تاركة الأمر لمن هو أكبر مني كما أسلفت، وهي لم تدخل الحرم؛ بل كان دخولنا مكة مروراً فقط، فهل يلحقني شيء؟

الجواب:

        السائلة تعرف أنه لا يجوز لغير المسلمين الدخول إلى الحرم، والحكومة -وفقها الله- قد وضعت كتابات على مداخل مكة قرب المراكز الأمنية، ونبهت فيها على أنه لا يجوز لغير المسلمين الدخول إلى الحرم، وفي نفس الوقت المراكز الأمنية التي وضعتها الدولة حريصة كلّ الحرص على منع هؤلاء.

        وهذا السؤال له علاقة بالنسبة للسائل، وله علاقة بالنسبة لمن كان معه، فأما من كان معه من رفقته فقد ذكر أنهم ليسوا على ذكر من الحكم في وقت مرورهم بها مع الحرم، فلا إثم عليهم لقوله ﷺ: « إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه »، ويقول -جلّ وعلا-:"رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا"[1]، فهم لا إثم عليهم في ذلك بالنظر إلى ما عندهم من النسيان، وهو عذر قهري.

        وأما علاقة السؤال بالسائل، فقد كان ذاكراً وعالماً بالحكم، وكان ذاكراً في وقت المرور، وترك إخبارهم عند بداية الدخول؛ فلا شك أنه آثمٌ؛ لأنه كان عليه البيان، ولا يعتمد على كِبر السن أو مجرد ظنون؛ بل كان عليه أن يأخذ الشخص المسؤول عنها قبل الدخول ويبين له الحكم في ذلك، وفي هذا خروج من العهدة. فعلى السائل أن يستغفر الله وأن يتوب إليه من التقصير الذي حصل منه.

        وبهذه المناسبة فإن كثيراً من الناس يتساهلون في هذا المجال، وتغلب عليهم العاطفة، ولا يجوز للشخص أن يُغلب عاطفته على دينه، فكثيرٌ من الناس يذهبون بالسائق أو يذهبون بالخادمة وهم ليسوا مسلمين. ومما يُحسن التنبيه عليه أن لا بدّ من النظر إلى الشخص الذي يُراد دخوله إلى الحرم، لابدّ من النظر إليه من جهة تطبيقه للإسلام، فكثيرٌ من الأشخاص الذين يأتون إلى بلاد المسلمين من أجل أن يتحصلوا على مصالح مادية كثيرٌ منهم يُكتب في ورقة إقامته بأنه مسلم، أو يكتب في تابعيته بأنه مسلم، أو في جواز سفره بأنه مسلم، وهو لا يطبق من الإسلام شيئاً فلا يصوم ولا يصلّي؛ يعني: لا يعمل شيئاً من أعمال الإسلام، فكيف يُقال بأن هذا مسلم؟! قصدي من هذا أن كلّ شخص عنده شخص يشتغل ويريد أن يذهب به معه إلى مكة فلا بدّ أن يتأكد من إسلامه قبل أن يُدخله الحرم، وإلا فإنه يتحمل إثم إدخاله، ولا ينبغي للشخص أن يُغلب مصلحته الشخصية على ذمته، فكثير من الناس إذا تعارض عنده جانب الدِّين وجانب المصلحة الدنيوية، غلَّب جانب المصلحة الدنيوية على جانب الناحية الدينية، فتجده يتساهل فيما يتعلق في ذمته من الناحية الدينية من أجل أن يُحقق لنفسه مصلحة مادية، فيتساهل في إدخال الشخص وهو ليس بمسلم، يتساهل في إدخاله بالحرم من أجل أن يقوم بخدمته بأي نوعٍ من أنواع الخدمة، فهذا غلَب جانب مصلحته المادية على جانب الناحية الدينية، فهو محرم عليه أن يُدخله؛ ولكنه تساهل في ارتكاب هذا المحرم من أجل أن يُحقق مصلحته المادية، فعلى العبد أن يتنبه إلى هذا الجانب في هذه المسألة وفي المسائل الأخرى؛ يعني: إنه إذا تعارض عنده حق لله -جلّ وعلا- مع ناحية مصلحيةٍ دنيوية؛ وجب عليه أن يقدم حق الله -جلّ وعلا- على مصلحته الدنيوية، والله -جلّ وعلا- يعوِّضه عما فاته بخيرٍ مما فاته، لقوله ﷺ: « من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه ». وهذا يتحقق عند الشخص إذا وصل إلى درجة مراقبته لله -جلّ وعلا-، وتقرر في قلبه أنه إذا عمل هذا الشيء فإن الله يراه، وإذا قال شيئاً لا يرضى به الله يعتقد أن الله يسمعه، فإذا وصل إلى هذه الدرجة حصلت عنده يقظة تُوقفه عن الإقدام على ما حرم الله -جلّ وعلا-. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (286) من سورة البقرة.