Loader
منذ سنتين

التزوير


الفتوى رقم (3590) من المرسل: ع. أ، يقول: بينوا لنا ما التزوير؟

الجواب:

         الله -جلّ وعلا- كلّف عباده باتباع أوامره، واجتناب نواهيه، والمكلّف عندما يفعل ما أمره الله به، ويترك ما نهاه الله عنه، يبتغي بذلك مرضاة الله -جلّ وعلا- ويخاف من عقابه، يكون هذا قد أتى بما شرع في حقه، والله تعالى يقول: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ"[1]؛ لأن امتثاله للأوامر واجتنابه للنواهي على الوجه الذي سبق، يكون موافقاً لشرع الله -جلّ وعلا-.

        قد يجتهد ويخطئ، ولكن الخطأ معفوٌ عنه، وقد ينسى كمن نام عن صلاةٍ أو نسيها، فكلّ هذا ليس عليه في ذلك إثم، إلا أن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، ومعنى ذلك: أن الشخص لو زاد ركعةً خامسةً من صلاة رباعية، كصلاة الظهر أو العصر ناسياً، فإنه يسجد للسهو، وليس عليه في ذلك بأسٌ وصلاته صحيحة. ولو أنه نقص ركعةً من الرباعية ناسياً، فإن نسيانه لا يكون عذراً في إسقاط هذه الركعة؛ ولكنه يكون عذراً في إسقاط الإثم، فحينئذٍ النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم؛ ولكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود.

وعندما تحصل مخالفةٌ من الشخص لشيءٍ من أوامر الله أو لشيءٍ من نواهيه، بمعنى: إنه يترك شيئاً مما أوجبه الله عليه، وهو قادرٌ على فعله. أو يفعل ما حرّم الله عليه، وهو قادرٌ على تركه، فهذا ينبغي له أن يتنبّه لنفسه؛ لأنه في ذلك قد عصى الله -جلّ وعلا-.

ومن وجوه المخالفة ما يحصل من التزوير، فالشخص عندما يستخدم التزوير في أي وجهٍ من الوجوه؛ كأن يكون التزوير بالأقوال، أو يكون التزوير بالأفعال، أو يكون التزوير بالكف، فعلى سبيل المثال: عندما يُخفي قولاً من الأقوال التي يجب عليه أن يقولها، أو يزيد في قولٍ لا يجوز له أن يأتي بهذه الزيادة، أو يخفي أمراً من الأمور التي يجب عليه أن يبيّنها، أو يعمل هذا في أمر من الأمور، يعني: طلب منه أن يفعله على وجهٍ معينٍ؛ ولكنه خالف فأتى به على غير الوجه المعين، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التزوير فيما يتعلق بالحق فيما بين العبد وبين ربه، وكذلك ما يكون بين العبد وبين الناس؛ لأن الشخص قد يكون مسؤولاً ويستخدم التزوير. فإذا كان الشخص موظفاً في طريقٍ من الطرق، ويكون مؤتمناً على مرور بعض الأشياء؛ ولكنه يستخدم التزوير فيها بحكم ولايته في هذا المحل؛ لأنه لا رقيب عليه إلا الله، فحينئذٍ يكون عمله هذا من الأعمال المحرمة.

وكذلك التزوير والغش في بعض الأمور الأخرى؛ كما يحصل الغش في الامتحانات، الغش يكون من المدرّس، وقد يكون من الطالب، والغش كما يكون في أثناء الامتحان، فقد يكون في حالة وضع الأسئلة من المدرّس، أو أنه يكون من المراقبين الذين يراقبون على الطلاب.

فالمقصود أن هذا بابٌ واسعٌ، ولا يجوز للإنسان أن يتعدّى حدود الله -جلّ وعلا-، لا من جهة القول، ولا من جهة الفعل، ولا من جهة الكفّ. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (153) من سورة الأنعام.