Loader
منذ سنتين

حكم اعتقاد ما يسمى جوهر الكمال، والصلاة خلف من يعتقد ذلك


الفتوى رقم (2490) من المرسل السابق، يقول: هناك ذِكْرٌ يُسمى جوهر الكمال، لا يُقرأ إلا بشرط الطهارة المائية، ونحن نعلم أن القرآن يقرأ بالطهارة الترابية، فما حكم من يعتقد ذلك، وهل تجوز الصلاة خلف من يعتقد هذا الاعتقاد؟ أو الصدقة عليه؟

الجواب:

 الله -جلّ وعلا- هو الذي يُبيّن الحلال والحرام، ولهذا يقول تعالى: "أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ"[1] فله -جلّ وعلا- الأمر في تشريعه، يأمر بما يفعل، وينهى عن الأمور التي يجب تركها. والناس في ذلك من عهد الرسول ﷺ إلى أن تقوم الساعة، هم متبعون لشرع الله -جلّ وعلا-، والقرآن هو أصل التشريع، والرسول ﷺ مبيّنٌ للقرآن، وما يفهمه أهل العلم من القرآن والسنة على حسب قواعد الفهم، فإن هذا استنباطٌ منهم للأحكام التي تفعل، والأحكام التي تترك، منه ما هو محل إجماع، ومنها ما هو محل خلافٍ يؤول إلى الاتفاق، ومنها ما هو محل خلافٍ يظهر فيه رجحان قولٍ على مرجوحية القول الآخر بناءً على الأدلة، ومنها ما تتقارب فيه مدارك العلماء بالنظر إلى اختلاف الأدلة، فيحصل اختلافٌ بينهم في المدارك، بناءً على الاختلاف في الأدلة وتتقارب هذه المدارك، وفي هذه الحال يكون الشخص مجتهداً في هذا المجال، فإذا اجتهد وأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجرٌ واحد.

        أما الذين يحلّلون ويحرّمون، وهم بعيدون كلّ البعد عن كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ولا يعتمدون فيما يأمرون بفعله، أو ينهون عن فعله، لا يعتمدون على أصلٍ شرعيٍ فهؤلاء مبتدعة، وعملهم هذا بدعة، وهذه المسألة التي سأل عنها السائل هي من هذا النوع. والرسول -صلوات الله وسلامه عليه- يقول: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ». وفي روايةٍ: « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ».

بناءً على ذلك كله فقد جاءت الأدلة الدالة على مشروعية الطهارة من الحدث الأكبر، والطهارة من الحدث الأصغر، وأنه شرط في العبادات المعينة، فمن أراد أن يصلّي فإنه يتطهر من الحدث الأكبر والأصغر، ومن أراد أن يمسّ القرآن فإنه يتطهر من الحدث الأكبر والأصغر، ومن أراد أن يقرأ القرآن عن ظهر قلبٍ؛ فإنه يتطهر من الحدث الأكبر؛ أما الحدث الأصغر فليس بشرط.

وإذا كان الإنسان عادماً للماء حقيقةً أو حكماً، ومعنى حكماً: أن يتعذّر عليه استعماله، أو أنه يكون موجوداً ولكنه لا يتمكن من شرائه؛ لعدم وجود القيمة عنده، أو لأن ثمنه غالٍ غلاءً زائداً، أو يكون مسافراً وليس معه من الماء إلا ما يكفي لشرابه وطعامه ففي هذه الحال يتيمّم، ولهذا يقول الله  تعالى: "وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا"[2]، فالماء هو الأول، وإذا تعذّر استعماله بوجهٍ من الوجوه المشروعة، فإنه ينتقل إلى التراب؛ لكن إذا كان الإنسان عاجزاً عن استعمال الماء، وعاجزاً عن استعمال التراب؛ كالإنسان الذي يكون محبوساً وليس عنده ماءٌ ولا تراب، فإن هذا يصلّي حسب استطاعته، وكذلك يقرأ القرآن حسب استطاعته، لقوله تعالى: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"[3].

        أما ما ذكر في السؤال من هذا الدعاء، فهذا ليس له أصل في الشرع، وعلى المسلم أن يتقي الله -جلّ وعلا-، وألا يقول على الله في شرعه ما ليس منه، فإن الله -جلّ وعلا- يقول لنبيه محمد ﷺ: "وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)"[4]، ويقول -جلّ وعلا-: "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ"[5]، ولما ذكر جملةً من المحرمات قال: "وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ"[6]، فلا يجوز للإنسان أن يقول على الله بغير علمٍ، وأن ينسب ذلك إلى شريعته؛ ليموّه بذلك على عامة الناس من جهة، ولينال بذلك كسباً مادياً من جهةٍ أخرى. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (54) من سورة الأعراف.

[2] من الآية (43) من سورة النساء.

[3] من الآية (16) من سورة التغابن.

[4] الآيات (44-46) من سورة الحاقة.

[5] من الآية (36) من سورة الإسراء.

[6] من الآية (169) من سورة البقرة.