Loader
منذ سنتين

العيد فرصةٌ لصلة الرحم، نصيحة للمتخاصمين أن يصطلحوا في هذا الموسم المبارك


الفتوى رقم (9787) من المرسل السابق، يقول: لا يخفى أن العيد فرصةٌ طيبة للتزاور ولصلة الرحم، هل من نصيحة توجهونها للمتخاصمين من أبناء المسلمين أن يعودوا في هذا الموسم المبارك وأن يصطلحوا فيما بينهم.

الجواب:

        الخلاف الذي يحصل بين شخصين بصرف النظر عن أعيان الأشخاص أو أنواع الأشخاص هذا الخلاف إما أن يكون منشؤه أنه حقٌ لله -جل وعلا-؛ يعني: سببه أنه حقٌ لله -جل وعلا-، أو أنه يكون حق للشخص.

        فإذا كان حقاً لله، فجميع الحقوق التي لله -جل وعلا- لا يملك أحدٌ أن يسقطها عن نفسه، ولا يملك أحدٌ أن يُسقطها عن غيره، ولا يملك أحدٌ أن يسقطها عن غيره من أجل نفسه؛ يعني: كل هذه الأمور ليست جائزة.

        أما إن كان من حق النفس ولا فرق في ذلك بين حقوق النفس فهذا موكولٌ للشخص أن يتسامح، والشخص بين أمرين: إما أن يتسامح ويأجره الله -جل وعلا-، وإما أن يُطالب بحقه إذا كان مظلوماً، فإذا عفا فالأجر الذي يؤتيه الله له يوم القيامة أعظم من الأجر الذي يحصل له في المُقاصة بينه وبين خصمه يوم القيامة، ولهذا يقول -جل وعلا-: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[1]، ويقول: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[2]، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[3].

        ونبّه -جل وعلا- بعد ذلك على أن الامتناع عن العفو عن الحق الذي يخص الإنسان أن الشيطان قد ينزغ في قلب الشخص، وهذا النزغ هو الإيحاء من الشيطان للشخص بأن يمتنع عن العفو، ولهذا قال -جل وعلا-: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}[4] فإذا حصل شيءٌ في قلب الإنسان يشعره بأنه لا يُقدم على العفو، فإنه يستعيذ بالله -جل وعلا-، وإذا عفا عن أبيه، عن أخيه، عن أمه، عن ولده، عن أخته، عن جاره، عن صديقه؛ فإن الفضل الذي يحصل له والأجر الذي يحصل له من الله -جل وعلا- أعظم من الأجر الذي يحصل له في حال المقاصّة يوم القيامة؛ لأن في المقاصة كما قال -جل ّوعلا-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا}[5]؛ فكما أن الله -جل وعلا- حرّم الظلم على نفسه في الدنيا وحرّم الظلم بين عباده؛ فكذلك لا يظلم الله أحداً يوم القيامة، ولهذا كانت المُقاصة فيما بين الناس على حسب الأعمال، والعُقوبات التي تحصل يوم القيامة هي على حسب الأعمال، وليست كالعقوبات التي تحصل في الدنيا، فإن عقوبات الدنيا -سواء كانت مقدرةً أو كانت مطلقة- أنها من أجل تحقيق جلب المصالح وتحقيق درء المفاسد، ولهذا تجد بعض العقوبات في الدنيا أن السبب بسيط لكن العقوبة قوية مثل السرقة؛ يسرق الإنسان نِصاباً وتقطع يده، واليد لها نصف الدية، فانظر إلى السبب الذي أوجد هذا الحكم تجد أنه بسيط؛ لكن كما قال -جل وعلا-: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}[6] الآية.

        فأنا أوصي الأشخاص الذين بينهم نزاع أن يتسامحوا فيما بينهم، ويطلب الشخص صاحب الحقّ العِوض من الله -جل وعلا- والله كريم وبالله التوفيق.



[1] من الآية (40) من سورة الشورى.

[2] الآية (43) من سورة الشورى.

[3] الآية (35) من سورة فصلت.

[4] من الآية (200) من سورة الأعراف.

[5] من الآية (40) من سورة النساء.

[6] من الآية (38) من سورة المائدة.