Loader
منذ 3 سنوات

هل صحيح أن الانسان لا يحاسب إلا بعد الأربعين


  • فتاوى
  • 2021-06-15
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (216) من المرسل ح. ح. ش مصري يعمل في العراق، يقول: دار حوار بينه وبين شخص آخر في قول الحق: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ"[1]، فهذا الشخص يقول: إن الإنسان لا يحاسب قبل الأربعين في عمله؛ لأن عقله لم يكتمل، وهو قد اختلف معه ويستفسر عن ذلك.

الجواب:

        هذه الآية اشتملت على أمور، منها:

        - أن الله بين فيها مشروعية بر الوالدين والإحسان إليهما، وبين جملة من الأسباب التي تدعو إلى برهما والإحسان إليهما، فقال تعالى: " حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا "[2].

        - ثم بين بعد ذلك مدة الحمل ومدة الرضاع، فبين في هذا مدة الحمل، وبين فيه مدة الرضاع.

        - ثم بين أن الشخص إذا مضت عليه مدة أربعين سنة، فإنه يرجع إلى ربه ويدعوه أن يوزعه شكر نعمه التي أنعم بها عليه وعلى والديه، ويسأل ربه أن يوفقه للأعمال الصالحة التي يرضاها، وهذا فيه بيان أن الشخص له أطوار في حياته:

        فالطور الأول: من الولادة حتى يبلغ سبعاً، وهذا لا يكون مكلفاً في شيء أصلاً، ولا تصح منه النية لعمل من الأعمال، ولكن لو وقع منه الحج يكون صحيحاً ولا يكون مجزئا؛ لأن امرأة رفعت إلى النبي ولداً صغيرا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: « نعم، ولك أجر »[3].

        الطور الثاني: إذا بلغ سبع سنين إلى العشر، فهذا يحصل عنده شيء من التطور وقوة الإدراك، ولهذا قال الرسول : « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر »[4].

        فيؤمر بالصلاة؛ لأن النية تصح منه إذا صام وصلى فتكون عبادته صحيحة لصحة صدور العبادة عنه.

        الطور الثالث: إذا بلغ عشر سنين حتى يبلغ حد التكليف، ففي هذه الحال يضرب على الصلاة إذا تخلف عنها، وهذا تمهيد له حتى يحافظ عليها حتى بلوغ التكليف.

        والتكليف يحصل للإنسان:

1- من حيث السن إذا بلغ خمس عشرة سنة، سواء كان ذكرا أو أنثى.

2- ويحصل البلوغ أيضا بالاحتلام سواء كان ذكرا أو أنثى، قد يوجد الاحتلام في سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة فيكون بالغاً ومكلفاً.

3- وقد يحصل البلوغ بإنبات شعر خشن في القبل سواء هذا من الذكر أو الأنثى.

        وتنفرد المرأة عن الرجل بالحيض، فإذا حاضت تكون قد بلغت، فالمرأة تبلغ في أربعة أمور، والذكر في ثلاثة، وهذه الأمور الثلاثة مشتركة بين الذكر والمرأة في هذه الفترة لا يكون مكلفا؛ أي قبل البلوغ لا يكون مكلفا تكليفاً بمعنى يعاقب على فعله، بقول الرسول : « رفع القلم عن ثلاثة » وذكر منهم »المجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ والصغير حتى يبلغ »، ففي هذه الحال مرفوع عنه قلم التكليف؛ أي لا يعاقب عما حصل منه، ولكن لو حصل منه شيء يكون فيه إتلاف لحق من حقوق الآدميين، فيأخذ منه أي لا يسقط حق المخلوق إذا اعتدى عليه مجنون أو صغير.

        وإذا بلغ حد التكليف لعلامة من العلامات السابقة، فبعد ذلك تكتب عليه الذنوب التي يفعلها، ويجري حكمه الذي يجري على سائر المكلفين الآخرين؛ يعني لا فرق في ذلك.

        وبناء على هذا لا يكون المقصود من قوله تعالى: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً "[5].

        هذا لا يعني أنه لا تكتب ذنوبه حتى تمام الأربعين، ومع الأسف هذا الشيء الذي ذكره السائل موجود في بعض الجهات، فبعض الأشخاص من الذكور والإناث ينحدرون في ارتكاب المحرمات، وفي ترك الواجبات، ويقولون إنها لا تكتب عليهم الذنوب إلا بعد تمام الأربعين، ولهذا يعمل شيئا من الأعمال الطيبة ويترك المحرمات، فهذا غير صحيح، بل الواجب على الإنسان الانتباه لنفسه، فإذا بلغ حد التكليف تكتب عليه الذنوب ويحاسب عليها ويجري الحكم عليه كما يجري على سائر المكلفين، فإذا أصر على ترك الصلاة فإنه يستتاب، فإذا تاب وإلا قتل؛ لأنه بهذا ارتد عن الإسلام، وهكذا إذا ارتكب حد الزنا فإنه يحد، وإذا سرق تقطع يده، وهكذا تجري الأحكام عليه، وبالله التوفيق.



[1] من الآية (15) من سورة الأحقاف.

[2] من الآية (15) من سورة الأحقاف.

[3] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب صحة حج الصبي وأجر من حج به (2/974)، رقم(1336).

[4] أخرجه أحمد(11/369) رقم(6756)، وأبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة(1/133)، رقم(495).

[5] من الآية (15) من سورة الأحقاف.