Loader
منذ سنتين

حكم من يتردد في إنكار المنكر


  • فتاوى
  • 2021-12-17
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (4174) من المرسلة السابقة، تقول: أنا فتاة أرى المنكر أمام وجهي، حيث أرى النساء اللائي لا يرتدين الحجاب الشرعي الذي أوجبه الإسلام، وذلك يحرجني كثيراً، وأنا كفتاة متدينة يضايقني هذا السلوك السيئ، علما أنني فكرت مراراً وتكراراً أن أقدم النصح للفتيات لكنني مترددة لا أدري ماذا أفعل، فماذا تأمروني فضيلة الشيخ؟

الجواب:

        المخالفات التي يشاهدها الشخص في أشخاص آخرين موقفه منها حسب قدرته، والقدرة قدرة علمية من جهة، وقدرة تنفيذية من جهة أخرى، ومن أجل ذلك الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- دعا في أول دعوته سراً، ثم بعد ذلك إلى الدعوة علانية، ويعرض عمن أساء إليه، ثم انتقل بعد لك إلى أنه يعاقب من أساء إلى الدعوة {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}[1]، ثم انتقل بعد ذلك إلى الجهاد في سبيل الله -جل وعلا-، فهذه مراحل سار عليها الرسول ﷺ فالإنسان إذا كان عنده علم، وكان من أهل اليد، فإنه يزيل المنكر بلسانه من جهة بيان الحكم الشرعي، ويزيله بيده من الناحية التنفيذية إذا كان يحتاج إلى إزالة من الناحية التنفيذية، ولهذا الرسول ﷺ قال: « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده »، إذا كان لا يستطيع التنفيذ، ولكنه من أهل العلم، فإنه يبين حكم هذا المنكر بلسانه، وذلك من أجل قيام الحجة على من باشر هذا المنكر، وإذا كان لا يستطيع أن يغير بلسانه، فإنه يكره هذا المنكر ويكره من يفعله بقلبه، وهذا هو أضعف الإيمان، والرسول ﷺ ذكر هذه الدرجات الثلاث؛ لأن أحوال الناس تختلف، وينبغي للشخص أن ينظر في إمكانياته وألا يتجاوزها؛ لأن بعض الناس يضع نفسه في غير موضعها، إما أن يضع نفسه في غير موضعها من ناحية العلم ؛ بمعنى: إنه يدخل مداخل في العلم وهو ليس من أهلها، وقد يخطئ في التحليل والتحريم، يعني: يحرم حلالاً، أو يحلل حراماً، فهو على حسب اعتقاده أنه مصيب، ولكن ليس مصيباً باعتبار عرض كلامه على أهل العلم، والله -جل وعلا- يقول للرسول ﷺ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[2]، ويقول {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[3]، يعني: الإنسان عندما يدعي لنفسه دعوى وهو ليس من أهلها، ويقول - جل وعلا - للرسول ﷺ: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)}[4]، والشخص عندما يحلل حراماً أو يحرم حلالاً، هذا من القول على الله بلا علم، فرحم الله امرئ عرف قدر نفسه، وأوقف نفسه موقفها اللائق بها، هذا من الناحية العلمية. وكذلك من الناحية الإدارية قد يضع الإنسان نفسه موضعاً من الناحية الإدارية، وهو ليس من أهل هذه الموقف، فيتعدى يتقمص مسؤولية غيره، وينصب نفسه في موضع ذلك المسؤول، ويتصرف هذا التصرف وهو ليس من أهله، فواجب على الإنسان أن يعرف قدر نفسه من جهة، وأن يعرف ما عليه من جهة ثانية، وأن يعرف كيف يؤدي هذا الأمر، إذا كانت تأديته لا يترتب عليها مفسدة راجحة، أو مفسدة مساوية للمصلحة التي يريدها، أو أن تصرفه ينشأ عنه ارتكاب أعلى المصلحتين مع تفويت أدناهما، أو ارتكاب أدنى المفسدتين من أجل دفع أعلاهما، أو أنه يسلك الطريق الذي تكون مصلحته راجحة أو يحجم؛ لأنه عندما نظر وجد أن المفسدة التي ستنشأ عن هذا الإقدام أنها مفسدة راجحة، فلا يقدم، ولهذا الله -تعالى- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا}[5].

        فالمقصود هو أنه ينبغي للإنسان أن يتنبه، وأن يحدد المسؤولية التي عليه، وأن يؤديها على الوجه المطلوب، وألا يتجاوز حدوده علماً وتنفيذاً. وبالله التوفيق.



[1] الآية (126) من سورة النحل.

[2] من الآية (36) من سورة الإسراء.

[3] الآية (3) من سورة الصف.

[4] الآيات (44-46) من سورة الحاقة.

[5] من الآية (104) من سورة البقرة.