حكم صلاة الرجل في منزلة بعض الصلوات
- الصلاة
- 2021-09-04
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1261) من المرسل أ.م.ع من الصومال، يقول: أصلي الصلاة في منزلي بعض الأوقات، ومنزلي قريب من المسجد، والسنة النبوية تنص على عدم الصلاة لجار المسجد إلا في المسجد، كحديث: « لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد »[1]، وبالنظر إلى هذا الحديث، ما حكم الصلاة التي صليتها في منزلي، وماذا تفيد كلمة 'لا' في الحديث المذكور، هل هي نافيةٌ للجنس أصلاً، أو هي نافية لحصول ثواب كامل لجار المسجد الذي صلى في بيته، حتى لا يحصل ذلك الشخص على مثل ما حصل عليه المصلي في المسجد من ثواب وافر؟ وهل هذا الحديث متفق عليه، أم لا، وهل هو عامٌ أم خاصٌ، ومطلق أم مقيد، وإذا سلم هذا الحديث من تناقضٍ كيف يكون الجمع بينه وبين هذه الآية:"وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ"[2]؟
الجواب:
أولاً: لا يجوز للسائل الذي سأل هذا السؤال أن يصلي في بيته مستقبلاً، إذا كان يتمكن من الصلاة مع الجماعة.
ولا يجوز له الاستدلال بصلاته في بيته بالأدلة الدالة على أن الله لم يجعل حرجاً على أحدٍ من الأمة، كما في قوله تعالى:"مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ"[3]، وهذه الآية هي أبلغ آية جاءت في القرآن من ناحية التيسير.
ثانياً: أن الحديث الذي ذكره السائل، وقال: إنه يريد أن يستوضح هل هو عام، أو خاص، أو مطلق، أو مقيد ٌ، الظاهر أن السائل لا يعرف الفرق بين المعاني التي ذكرها؛ لأن الحديث هذا من المواضع، التي يكون فيها عموم؛ لأن كلمة صلاة نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تكون عامة، وكون هذا الشخص يجعل هذا اللفظ دائرًا بين العموم والخصوص، أو الإطلاق أو التقييد، يدل على أنه يتكلم بكلام لا يفهم معناه، ولا يفهم الفرق بين هذه الكلمات عندما يقارن بعضها ببعض.
ثالثاً: أن هذا الحديث ليس متناقضاً مع الأدلة الأخرى التي جاءت دالة على نفي الحرج، سواءً كانت هذه الأدلة من القرآن أو السنة؛ لأن تلك الأدلة جاءت دالة على رفع المشقة التي ليست بمعتادة إذا حصل ما يوجب ذلك حضراً أو سفرا ً، وليس ما ذكره السائل داخلاً في هذا الموضوع أصلاً، حتى يقول وإذا سلم الحديث من التناقض.
رابعاً: الذي يوضح المقصود من هذا الحديث، هو قوله ﷺ « صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجة »[4]، فهذا يدل على أن المقصود بحديث « لا صلاة لجار المسجد »، يعني ليست له صلاة كاملة، فصلاته ناقصة، وهو آثمٌ في صلاته في بيته، مع قدرته على الصلاة مع الجماعة، فإذا صلى الشخص، وهو غير معذورٍ، إذا صلى في بيته فقد نتج عن عمله هذا أمران:
الأمر الأول: فوات الأجر الكثير.
والأمر الثاني: حصول الإثم عليه في تركه للجماعة مع القدرة على الصلاة مع الجماعة، وهناك أمر آخر قد يتعدى إلى أولاده، وإلى جيرانه، وإلى الناس الذين يعرفونه، وبخاصةٍ إذا كان هذا الشخص قدوةً عندهم؛ لكونه مدرساً، أو كونه طالب علمٍ، فالجيران الذين يرونه يصلي في بيته، وطلابه الذي يرونه يصلي في بيته، يقتدون به، ويصلون في بيوته بناءً على أن عمله هذا جائزٌ، وليس فيه إثمٌ، ولا يقلل من أجر الصلاة، وبخاصةٍ بعض الأشخاص الذين يقولون إن صلاة الجماعة سنة، وهم متعلمون، وينسبون هذا القول إلى الإمام الشافعي، فيعرضون عن سنة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وعن سنة خلفائه الراشدين، وعن إجماع الصحابة على ذلك، وإجماع التابعين، ويأخذون بقولٍ ينسبونه للشافعي، وهو بريءٌ منه، ولأن الإمام الشافعي، هو وغيره من الأئمة الأربعة، كل واحدٍ منهم يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، فهذه المسألة: هي وجوب الصلاة مع الجماعة في المسجد هذه ثابتة عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قولاً وعملاً، وثابتةٌ أيضاً عن خلفائه الراشدين، وقد أجمع عليها أيضاً الصحابة، والتابعون ومن بعدهم.
وعلى هذا الأساس، فيجب على السائل أن يتقي الله في نفسه مستقبلاً، وألّا يكون قدوة سيئة لأولاده، يعني أنه يكون سبباً في أن يصلوا في البيت، اقتداءً بأبيهم، فينشؤون نشأةً غير صالحة في هذه الجزئية، وكذلك لا يكون سبباً في اقتداء من قد يثق به من الناس في أن عمله هذا موافقٌ للشرع.
كما أنه يجب عليه أن يتقي الله في نفسه، من جهة أن لا يفوته الأجر الذي يحصل له مع الجماعة، وأن لا يحصل عليه الإثم الذي يترتب على صلاته في البيت، ومما يؤسف له أن أمثال هذا السائل كثيرٌ في كثير ٍمن البلدان الإسلامية، وهم يعملون هذا، ويظنون أنه ليس فيه شيءٌ، ولكن كما سبق في الجواب أن صلاة الجماعة واجبة في المساجد، وأنه لا يجوز للشخص أن يتأخر عنها إلا لعذرٍ شرعيٍ. وبالله التوفيق.
[1] أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الصلاة، باب الحث لجار المسجد على الصلاة فيه إلا من عذر(2/292)، رقم(1553)، والحاكم في مستدركه(1/373)، رقم(898).