Loader
منذ سنتين

ما مقصد الشاطبي من مصطلح-أمية الشريعة-؟


الفتوى رقم (10622) من المرسل ف من المغرب، يقول: تناول الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات مصطلح -أمية الشريعة- فماذا يقصد بهذا المصطلح؟

الجواب:

        أصل هذا في قوله -جل وعلا-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}[1]. والله -سبحانه وتعالى- أنزل القرآن بلغة العرب، ولهذا قال ابن عباسٍ -رضي الله عنه-: تفسير القرآن على أربعة أوجه:

        الوجه الأول: تفسير تعرفه العرب من لغتها.

        الوجه الثاني: وتفسيرٌ لا يعذر أحدٌ بالجهل به.

        الوجه الثالث: وتفسيرٌ لا يعلمه إلا العلماء.

        الوجه الرابع: وتفسيرٌ استأثر الله -جل وعلا- بالعلم به.

        فما استأثر الله -جل وعلا- العلم به هذا لم يكلف الله الخلق فيه إلا من ناحية التصديق به على الوجه الذي يرضي الله -جل وعلا -كما قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: « آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسل الله وما جاء عن رسل الله على مراد رسل الله ».

        أما بالنظر لما يعرفه أهل العلم فهذا بالنظر إلى الآيات المشكلة، ورد الآيات المتشابهة إلى المحكمة، وقصدي بالمتشابهة المتشابه الإضافي؛ كالآيات المتعارضة في مثل قوله -جل وعلا-: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}[2]، {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[3] مع قوله -تعالى-: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ}[4].

        وفيه كتب مؤلفة في مشكلات القرآن؛ وكذلك العلماء يختصون باستنباط الأحكام من القرآن على حسب قواعد اللغة من جهة، وعلى حسب مقاصد الشريعة من جهةٍ  أخرى. وهذه القواعد التي يستخدمها العلماء موجودة في كتبها.

        أما بالنظر إلى لغة العرب فلغة العرب موجود كثيرٌ منها في القرآن يتطابق استعمال الله -جل وعلا- لهذه الألفاظ على حسب سنن اللغة.

        وقول الشاطبي -رحمه الله- في قوله: إن هذه الشريعة أمية؛ يعني: من جهة أنها جاءت بلسان العرب، والرسول ﷺ يقول: « نحن أمة أميةٌ لا نقرأ ولا نكتب ». فجاءت هذه الشريعة بهذا الأسلوب، وذلك أن هذا وجهٌ من وجوه الإعجاز، ولهذا تحدى الله العرب وتحدى الناس عموماً: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[5]، فهذا تحدٍ من الله -جل وعلا- مع أنه جاء بلغتهم.

        وإذا نظرنا إلى استخدام اللغة من جهة القرآن وجدنا أنها تستخدم من وجوه:

        الوجه الأول: من جهة دلالة الألفاظ وضعاً واستعمالاً لغوياً.

        وكذلك من جهة فقه اللغة، ومن جهة التصريف، ومن جهة الاشتقاق، ومن جهة الإعراب؛ وكذلك من جهة البلاغة؛ كل هذه الأمور جاءت في القرآن، وأيضاً هي جاءت على سنن العرب.

        ومن أراد أن يعرف تطابق هذا الكلام فإنه يرجع إلى كتاب الخصائص لابن جني، ويرجع إلى كتاب الصاحب لأحمد بن فارس بن زكريا؛ وهكذا الكتب التي كتبت في فقه اللغة من أجل أن يعرف أن هذا هو المراد من قول الشاطبي -رحمه الله-: « إن هذه الشريعة أمية ». وبالله التوفيق.



[1] من الآية (4) من سورة إبراهيم.

[2] الآية (24) من سورة الصافات.

[3] الآية (6) من سورة الأعراف.

[4] الآية (39) من سورة الرحمن.

[5] من الآية (23) من سورة البقرة.