ما صحة حديث « أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون » وحديث « لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة »؟
- التأويل
- 2021-06-02
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (45) ورد عن الرسول ﷺ قال: « أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون »[1]، وورد عنه حديث آخر قال فيه: « لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة »[2] هل هذه الأحاديث صحيحة؟
الجواب:
مسألة التصوير حقيقة ورد فيها أدلة من السنة، وهي أدلة كثيرة من وجوه متعددة، ولا شك في ثبوتها، لكن هناك من يفرق بين الصورة المجسدة وبين الصورة التي يسمونها الصور الشمسية، وهذه التفرقة تحتاج إلى دليل؛ وذلك أن الأدلة التي جاءت دالة على تحريم التصوير وعلى الوعيد على المصورين هذه الأحاديث لم تفرق بين صورة وصورة من صور ذوات الأرواح؛ يعني سواء أكانت مجسمة أو كانت شمسية.
ومن المعلوم أن الرسول ﷺ قد آتاه الله جوامع الكلم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن شريعته شريعة عامة للناس إلى يوم القيامة، ومن جهة ثالثة فهي كاملة، وقد خاطب النبي ﷺ الناس بهذه الألفاظ العامة وهو يتكلم بلغة العرب.
ومن المعلوم أن من أساليب العربية التعبير بالعموم، وعندما نحمل هذا اللفظ العام على بعض صوره ونخرج بعض المدلول، فهذا يقال عنه إنه صرف للدليل عن ظاهره إلى تأويله.
ومن القواعد المقررة في علم أصول الفقه وفي علوم القرآن أن: صرف الدليل عن ظاهره إلى تأويله لا يجوز إلا إذا دل دليل على ذلك، ولا دليل يدل هنا على قصر الأحاديث التي جاءت دالة على تحريم تصوير ذوات الأرواح؛ يعني ليس هناك دليل يدل على حملها على بعض الأفراد، فحملها على بعض الأفراد مع عدم وجود الدليل الذي يدل على هذا الحمل، هذا في الحقيقة من باب التحكم في أدلة التشريع.
نعم إذا كان الشخص يحتاج إلى الصورة من جهة تصوير المجرمين، أو صورة لجواز السفر، أو صورة مثلاً للتابعية، أو لغير ذلك من الأمور المتوقفة على أخذ الصورة، فحينئذٍ تكون هذه مستثناة من الأدلة، واستثناؤها مبني على أن هذه ضرورة لا يستقيم الأمر إلا عليها، هذا من حيث العموم.
أما من حيث الجزئيات فقد يقال إن هذه الجزئية يستغنى عنها، لكن إذا نُظر إليها من جهة العموم فإنه لا بد من وجودها وإلا ترتب على الناس مفاسد عظيمة.
الحاصل من هذا الكلام كله هو: أن الأدلة في التصوير ثابتة، وأنها عامة لتحريم تصوير ذوات الأرواح، وأن اللعن متجه على الذين يصورون، سواء أكانت الصور من الصور المجسمة أو كانت من الشمسية، وأن إخراج بعض الصور من عموم هذا الدليل هو من باب التحكم، وأن ما تدعو إليه الضرورة من أخذ صور المجرمين أو التابعية أو الجواز أو غير ذلك من الأمور التي لا بد منها، فإنها تكون مستثناة من هذا العموم لاقتضاء الضرورة، وبالله التوفيق.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب عذاب المصورين يوم القيامة (7/167)، رقم(5950)، ومسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة (3/1670)، رقم(2109).
[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين، والملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه(4/114)، رقم (3225)، ومسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة(3/1665)، رقم(2106).