تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}
- التفسير
- 2021-12-17
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (4171) من المرسل السابق، يقول: ما معنى قول الحق -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}[1]، هل هذا يعني أن نحذر منهم؟ أو أن نأخذ الحذر منهم وكأنهم أعداء؟ أم ماذا يُقصد بذلك؟
الجواب:
الله -جل وعلا- قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ}[2] ولم يقل: يا أيها الذين ءامنوا إن أزواجكم وأولادكم ؛ ولكنه قال: ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮊ، فالشخص يتزوج الزوجة، أو الزوجة تتزوج الزوج، وتكون الزوجة سبب شر على هذا الرجل، أو هو يفتح عليها باب سوء، فعلى سبيل المثال يأخذ زوجة وعندما تتكشف له الأمور، تكون معارضة له في أوامره إذا أمرها بالخير، وتكون مسرفة في ماله، ولا تحفظ فراشه، ولهذا يقول الرسول ﷺ: « الدنيا متاع، وخير متاعها الزوجة الصالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله ». هذه امرأة طيبة.
لكن إذا كانت بعكس ذلك إن أمرها عصته، وإن نظر إليها أساءته، وإن غاب عنها أسرفت في ماله، ولم تحفظ نفسها، فهذه مقصودة في هذه الآية، فهذه عدوة بالنظر إلى الأعمال التي تزاولها.
وكما أن هذا موجود في المرأة، فيوجد في الرجل، فقد تتزوج المرأة الرجل تكون صالحة، ولكن يحملها على عدم الصلاة، يحملها على عدم الصيام، يحملها على أنها لا تباشر شيئاً من الأعمال الطيبة، قد يحملها على أن ترتكب شيئاً من المحرمات كشرب الخمر، وبهذا يكون عدوا لها ؛ لأنه أمرها بمعصية الله -جل وعلا-، فالعداوة التي تكون بين الزوجين تكون منتقلة من الزوج إلى الزوجة، أو من الزوجة إلى الزوج، وأساسها يرجع إلى المخالفة الشرعية.
أما إذا كانت العلاقة بينهما يسودها اتباع الشرع، فحينئذ هو لا يكون عدواً لها، وهي لا تكون عدواً له، هذا من جهة ما بين الزوجين.
وكذلك من ناحية الأب، ومن ناحية الابن، الشخص يكون له ابن، ولكنه يكون عاصياً، بمعنى: إنه لا يمتثل أوامر والديه فيما يتعلق بالنواحي الشرعية، ويكون مبذراً في الأموال، ويكون مسرفاً على نفسه من جهة ترك أوامر الله -جل وعلا- ومن ناحية اتباعه لما حرم الله -جل وعلا-، فهو لا يقبل نصحاً من أبويه من جهة، وهو مخالف لأوامر الله من جهة، ومرتكب لنواهيه من جهة أخرى، ففي هذه الحالة يكون عدواً لوالديه. وهذه العداوة ناشئة من جهة مخالفته للأمور الشرعية.
أما لو كان والده يأمره بمعصية، أو أمه تأمره بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وكما أن هذا يحصل من الابن على أبيه، وقد يحصل العكس قد يكون الابن صالحاً وتقياً وورعاً، ويكون أبوه شريراً، ويحمله على أمور لا تكون محمودة من الناحية الشرعية، وعلى هذا الأساس ينبغي لكل أب ولكل ولد، سواء كان ذكر أو أنثى، وكذلك من ناحية الزوج ومن ناحية الزوجة أن يتصور كل واحد منهم ما له من الحقوق، وما عليه من الحقوق، فما له من الحقوق يطلبها وتؤدى له، وما عليه من الحقوق الشرعية يؤديها إذا كانت تأديتها لا تحتاج إلى طلب، وما كانت تأديته محتاجة إلى طلب فعند الطلب. وليحذر كل واحد منهم أن يسلك طريقاً مخالفاً للشرع؛ لأنه يكون بهذا التصرف آثماً، والله -تعالى- يقول: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}[3]، فهذا فيه تنبيه على أن الشخص إذا كان عنده زوجة عدو، أو كانت الزوجة عندها زوج عدو، أو كان الأب عنده ولد عدو، أو كان الولد عنده أب عدو، فحينئذ يجب عليه أن يحذره ويجب عليه أن يتخلص بقدر الاستطاعة، إذا تعذر عليه معالجة الأمر بما هو أهون من ذلك. وبالله التوفيق.