Loader
منذ 3 سنوات

معنى الدعاء: اللهم رب الأرباب ومسبب الأسباب؟


الفتوى رقم (7162) من المرسلة السابقة، تقول: ما معنى الدعاء: اللهم رب الأرباب ومسبب الأسباب؟

الجواب:

         الله -جل وعلا- يقول:"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ"[1]، الإنسان يُقال له: رب الدابة، لكن الله سبحانه وتعالى هو المالك هو الواحد القهار وهو رب كل شيءٍ ومليكه، ولهذا إذا أفنى الله الخلائق ولم يبقَ أحد ينادي يقول: «لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد، فيجيب نفسه ويقول: لله الواحد القهار».

        أما مُسبب الأسباب؛ فالأسباب منها ما يكون كونياً، ومنها ما يكون شرعياً، فالأمور الكونية هذه الله سبحانه وتعالى هو الذي يوجد هذه الأسباب فضلاً منه وإحساناً، وهو الذي يجعل المسببات مترتبةً عليها -أيضاً- من فضله، فمثلاً قوله -تعالى-:"اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ"[2] فهذا سبب؛ يعني: إنزال الماء سبب، والله سبحانه وتعالى هو الذي أوجده، والمُسبب لهذا السبب هو الإنبات يأمر الله -جل وعلا- الأرض فتنبت من بركاتها، وهكذا سائر الأسباب الكونية، فهذه أسبابٌ كونية متعلقةً بتوحيد الربوبية، ولا يستطيع أحدٌ مطلقاً أن يفعل شيئاً من ذلك؛ هذا بالنظر إلى الأسباب الكونية.

        وفيه أسبابٌ شرعية والأسباب الشرعية جميع الأشياء المأمور بها والأشياء التي نهي عنها هذه أسبابٌ الله هو الذي شرع فعل المأمور به، وشرع ترك المنهي عنه، وحينئذٍ هذه أسبابٌ شرعية، فعندما يمتثل الإنسان الأسباب الشرعية يفعل ما أمر به ويترك ما نهاه الله عنه يحصل له بذلك رضا الله -جل وعلا-، وحينما يرفض هذه الأسباب؛ بمعنى: إنه لا يمتثل ما أمره الله به ويفعل ما حرمه الله -جل وعلا- فحينئذٍ يكون قد أتى بأسبابٍ غير مشروعة، بل أتى بأسبابٍ ممنوعة ولهذا يعاقبه الله -جل وعلا- على قدر استحقاقه؛ سواءً كانت العقوبة في الدنيا، أو كانت العقوبة في الآخرة، أو كانت فيهما، وليس لأحدٍ من الخلق أن يشرع تشريعاً، لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى قال: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"[3]، فالله سبحانه وتعالى أكمل هذا الدين فهو مسبب الأسباب الشرعية؛ يعني: هو الذي شرع الأسباب الشرعية، وتفضل على عباده الذين يعملون بهذه الأسباب الشرعية بأن يثيبهم على هذه الأعمال التي يعملونها.

        أما الأسباب العادية الموجودة فيما بين الناس مثل الإنسان يسافر من بلد إلى بلد، فهذه الله سبحانه وتعالى هو الذي أقدر الخلق على التنبه لهذه الأسباب، وعلى الإقدام عليها أو على تركها، لكن الأسباب العادية التي يعملها الناس لا بدّ من النظر فيها فقد تكون هذه الأسباب أسباباً مشروعة، وقد تكون أسباباً ممنوعة، وقد تكون أسباباً مباحة؛ يعني ليست واجبة وليست محرمة؛ فلا بدّ من النظر في هذه الأسباب، ولهذا فيه أسبابٌ ممنوعة على سبيل المثال: الإنسان الذي يسافر من بلدٍ إلى بلد من أجل أن يفعل أموراً محرمة هذا السفر سبب، ولكن هذا وسيلةٌ إلى فعل أمرٍ محرم. ومثل الإنسان الذي يسافر من أجل ترويج المخدرات أو ما إلى ذلك، فهذه أسبابٌ ليست بمشروعة، فالمقصود أن الله سبحانه وتعالى مسببٌ للأسباب الكونية، ومسببٌ للأسباب الشرعية؛ أما بالنظر للأسباب العادية فالله سبحانه وتعالى هو الذي أقدر الناس عليها؛ ولكنها تعرض على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فما وافق الشرع قُبل، وما خالف الشرع رُد، وما سكت عنه الشرع؛ يعني: ما أمر به ولا نهى عنه، ننظر فيه فإن غلبت مفسدته على مصلحته فهو ممنوع، وإن غلبت مصلحته على مفسدته فهو مشروع، وإن تساوى الأمران فهو ممنوع؛ لأن درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح. وبالله التوفيق.



[1]  من الآية (26) من سورة آل عمران.

[2]  من الآية (48) من سورة الروم.

[3]  من الآية (3) من سورة المائدة.