Loader
منذ سنتين

حكم إعطاء الإنسان هدية لموظف على معروف قدمه له


  • فتاوى
  • 2021-12-12
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (3594) من المرسل ع. ع. أ، يقول: رجلٌ عمل معروفاً لشخص آخر، فصار المُقدَّم له المعروف يكافئ صاحب المعروف بهدايا عينية، فهل يأخذ المُهدى إليه الهدية ويكافئه عليها؟ وإذا كان صاحب المعروف والمُهدى إليه موظفاً، وهو يظن أن الموظف قدّم له معروفاً، بينما ليس الأمر كما يظن؛ بل حصل على مطلوبه بأصل الواجب، أم أن الإنسان يأخذ ما أعطاه أخوه الإنسان، فإنما أعطاه الله؟

الجواب:

الشخص إذا كان يعمل على ثغرٍ من ثغور المسلمين، كأن يكون موظفاً، والوظائف تختلف درجاتها، وتختلف أعمال الموظفين من جهة كميتها، ومن جهة كيفيتها. والأشخاص الذين يقدّمون الهدايا للموظفين يختلفون كذلك. فإذا كان الشخص الذي يريد أن يقدّم الهدية من الأشخاص الذين تكثُرُ حاجتهم إلى موظفٍ ما من الموظفين، بمعنى: لهذا المهدي أمور تمر على هذا الموظف المُهدى إليه، ويريد أن يستخدم هذه الهدية من أجل أن يلين له قلب هذا الموظف، ويصرف النظر عن كثيرٍ من الأمور المتعلقة بما يخص هذا المهدي من الأعمال التي تمر عليه. وأما من ناحية التعجيل يقدمها على غيرها، أو من ناحية أنه لا يأخذ الحق الشرعي الذي فرضته الدولة على هذا الأمر، ولا يعمل هذا الموظف عدلاً بين هذا الشخص وبين غيره من الآخرين الذين لا يقدّمون شيئاً، فيجعله -دائماً- في المقدمة، ففي هذه الحال يكون هذا المُقدَّم رِشوة وإن سُمّي هدية؛ لأن من قواعد الشريعة: أن تغيير الأسماء لا يغير الحقائق، فالعبرة بالمقاصد لا باختلاف الأسماء. فعندما يسمّي الرِشوة بأنها هدية، هذا الاختلاف في التسمية لا يغيّر في الحكم الشرعي. هذا إذا كان المهدي يقدّم إلى المهدى إليه بدون طلب من المُهدى إليه، لكن قد يكون هذا الموظف يتنبه إلى الأشخاص الذين لهم علاقةٌ به من جهة مرور أعمالهم عليه، فيكلفهم بأمورٍ يعملونها له بحكم وظيفته، وبحكم مرور هذه الأشياء من عنده، ويحققون ذلك له؛ لأنهم يريدون تسيير أعمالهم، فهذا قد اتخذ الوظيفة وسيلة ً إلى تسخير هؤلاء، وأخذ شيءٍ من الحقوق التي لا يجوز له أن يأخذها، ولا يجوز لهم أن يدفعوها، وعندما يعتبر هذا الشيء من باب الهدية عندما يحققونه له، فهذه تسمية ليست في محلّها. ومما يلتحق بهذا الشيء ما يفعله بعض الناس عندما يكون في ميناء من الموانئ: الميناء البري، أو الميناء البحري، أو الميناء الجوي، ويحبس حقوق المورّدين حتى يأتوا بما يريد، فهذا لا يجوز له؛ وإنما يقدّمون له شيئاً من المال يكون هذا رشوة، فلا يجوز لهم أن يقدّموا، ولا يجوز له هو أن يطلب ذلك؛ لأنه راعٍ في هذا المحل، وكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته. وتصرف الراعي على الرعية منوطٌ بالمصلحة، فهو مؤتمن على أداء هذه الوظيفة على الوجه الشرعي، فلا يجوز له أن يستخدم هذا المكان استخداماً على سبيل الإفراط، أو على سبيل التفريط، أو يجمع بين الأمرين.

أما الهدايا التي يتهاداها الناس فيما بينهم، ويكون القصد من ذلك تطبيق سنة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- كما في قوله:« تهادوا تحابوا »[1]، وكما في قوله ﷺ: « من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه »[2]، فهذا من الهدية المشروعة، وليس فيه بأسٌ.

وهناك قسمٌ آخر: يكون الشخص قد وُكل إليه عمل من أعمال المسلمين، ثم بعد ذلك يؤتى بما وكل إليه ويأخذه، ويؤتى له بشيءٍ يخصه، والرسول ﷺ حينما أتاه أحد الصحابة وقال له: « هذا لكم وهذا أهدي إليّ، فقام رسول الله ﷺ على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيقول: هذا لك وهذا لي فهلّا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه شيء أم لا »[3].

فالمقصود أنه ينبغي أن يفرّق بين ما يكون هدية ًمشروعة، وما يكون أمراً ممنوعاً. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب قبول الهدية (1/306)، رقم (594)، والطبراني في المعجم الأوسط (7/190)، رقم (7240).

[2] أخرجه أبو داود في سننه،كتاب الزكاة، باب عطية من سأل بالله (2/128)، رقم (1672).

[3] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب هدايا العمال (9/70)، رقم (7174)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب تحريم هدايا العمال(3/1463)، رقم (1832).