Loader
منذ 3 سنوات

من لم يتمكّن من الصيام في أشهر الحج، هل له أن يصوم بعد أن يعود إلى أهله؟


الفتوى رقم (1570) من المذيع ، يقول : من لم يتمكّن من الصيام في أشهر الحج، هل له أن يصوم بعد أن يعود إلى أهله؟

        الشيخ: أما سبعة الأيام، فإنها بعد رجوعه إلى أهله، لا يصومها لا في مكة ولا في سفره؛ بل في رجوعه إلى أهله؛ وأما بالنسبة لثلاثة الأيام فقد ذكرت موضِعها، فموضعها قبل الحج، فإن لم يتمكن من صيامها قبل الحج، صامها في أيام التشريق، وإذا لم يتمكن من صيامها في أيام التشريق، صامها متى تمكن؛ لأن من قواعد الشريعة أن المشقة تجلب التيسير، والله -جلّ وعلا-قال:"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"[1]. وبالله التوفيق.

        المذيع: إذن، الانتقال اختياري أو لا؟

        الشيخ: ذكرت أن الانتقال اختياري بالنسبة لما كانت فديتُه على التخيير، وضربت أمثلة مثل: تغطية الرأس، وحلق الرأس، لبس المخيط، استعمال الطِيب، وتقليم الأظافر؛ هذه كلها فديتها على التخيير؛ يعني: إن أراد أن يذبح فديةً، أو أراد أن يصوم ثلاثة أيام، أو أراد أن يُطعم ستة مساكين، وهذا من تيسير الله -جلّ وعلا- على عباده، فإن الفدية الذبيحة قد يشتريها بخمسمائة ريال؛ لكن إطعام ستة مساكين ممكن يشتريه بعشرة ِريالات، فالفدية تُفرِّغ الذمة؛ وكذلك إطعام ستة المساكين هذا يُفرِّغ الذمة أيضاً، كما أن صيام ثلاثة الأيام يفرغ الذمة أيضاً. وبالله التوفيق.

        المذيع: الأجر واحد؟

        الشيخ: تقدير الأجور هذا من خصائص الله -جلّ وعلا-، هو الذي يُقدِّر أجور عباده؛ ولكن الأجور تختلف كقاعدةٍ عامة أن الأجور تختلف؛ يعني: أجور الأعمال تختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والأحوال والأشخاص والنيات، فقد يعمل الشخصان عملاً؛ يعني: يعمل هذا عمل، ويعمل الثاني عملاً مثله؛ ولكن يكون هناك اختلاف من ناحية القصد مثلاً، فيحصل تفاوتٌ في ذلك في الثواب، والله -جلّ وعلا- هو المُحيط بكلّ شيء، هو الذي يعلم مقادير أعمال الناس وما يتفضلُ به عليهم من أجر؛ لأنهم لا يستحقون الأجور بأعمالهم كما قال الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-: « لن يَدخُل أحدٌ الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يَتَغَمَّدني الله برحمته »[2].

        وأما قوله تعالى:"ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"[3]، فهذا سببٌ من أسباب، وهو فضل ٌمن الله -جلّ وعلا-، فهو الذي قدَّر الأسباب وقدَّر المُسببات، وهو الذي يُعين عباده المؤمنين على فعل الخير.

        أما التحديد بأن هذا يستحق مقداراً معيناً من الجزاء، وهذا يحتاج مقداراً معيناً من الجزاء؛ فهذا ليس إلى المُكلَّفين، اللهم لا بالنسبة لما جاء من الأدلة الدالة على تحديد الأجور لبعض الأعمال، وهذا يكون من باب التقريب؛ كما جاء من الأدلة بالنسبة للشخص الذي يُصلّي على الجنازة يكون له قيراط، وإذا تبِعَها يكون له قيراطان. وذكر النبي ﷺ أن القيراط مثل جبل أُحُد، وهذا من فضل الله -جلّ وعلا-، وعلى الإنسان أن يعمل والله -تعالى- لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. والإنسان عليه أن يعمل، وليس عليه أن ينظر في مقدار الأجر؛ لأن عمله لكريم والله -جلّ وعلا- يتكرَّم عليه بجزيل الثواب. وبالله التوفيق.

        المذيع: هل من ذبح كمن صام؟ أو من أطعم ستة مساكين؛ يعني: هل هذا يحُّل مكان هذا؟

        الشيخ: هذا له جهتان:

 الجهة الأولى: علاقة هذا العمل بالذمة.

والجهة الثانية: علاقة هذا العمل بالله -جلّ وعلا-.

        فأما علاقة هذا من ناحية الذمة: فإن الذمة تكون مفرَّغةً بالذبيحة، وتكون مفرَّغةً بصيام ثلاثة أيام، وتكون مفرَّغةً بإطعام ستة مساكين؛ فبدلاً من أنها كانت مشغولةً في السابق أصبحت مفرَّغةً بأي واحدٍ منها، وهذا هو غرض الشارع من جهة التيسير والتسهيل على الناس؛ لأنهم يختلفون، فمنهم من لا يستطيع الفدية، ومنهم من لا يستطيع الإطعام ويستطيع الصيام، ومنهم من تسهل عليه الفدية ولا يسهل عليه الصيام؛ فوسَّع الله عليهم.

        وأما الثاني فهو: بالنظر إلى الأجر إلى علاقة هذه الأمور بالله -جلّ وعلا-، فهذه كما ذكرتُ أن أجور الأعمال تختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والأحوال والأشخاص والمقاصد. وبالله التوفيق.

        المذيع: المساكين هل يُشترط أن يكونوا من أهل الحرم أم لا؟

        الشيخ: أما بالنسبة للصيام فإنه يُجزِئُ في كلّ مكان؛ وأما بالنسبة للفدية التي يوجد سببها خارج الحرم فإنه يذبحها ويوزَّعها حيث وُجِد سببها؛ وأما بالنسبة لمن كان داخل الحرم بالنسبة للفدية؛ يعني: سواءٌ كانت ذبحاً، أو كانت إطعاماً؛ فإنه يوزعها في مكة؛ وكذلك بالنسبة لهدي التمتع وهدي القران؛ وأما بالنسبة للصيام فالصيام يُجزِئُ في كلّ مكان. وبالله التوفيق.

        المذيع: نسمع مصطلحاتٍ جديدة مفيدة جزاكم الله خيراً، ذكرتم الجوابر والزواجر في الحج، حبذا لو بيّنتم وقت كلٍّ منهما على التفصيل.

        الشيخ: أما بالنسبة للزواجر فيُقصد منها ما يجب على الشخص بسبب فعله محظوراً، إذا فعل شيئاً من المحظورات وأُوجب عليه جزاء؛ فإن هذا الجزاء من أجل زجره عن فعل هذا الشيء؛ وبخاصة ٍ إذا كان متعمداً.

وأما بالنسبة لوقت ذبحه فإنه إذا وُجد سببه، فإنه يذبحه ولا علاقة له بأيام الذبح؛ يعني: قصدي أن وقته ليس محدداً كوقت ذبح هدي التمتع وهدي القران؛ بل إن وُجِد سببه قبل أيام النحر فإنه يذبحه قبل أيام النحر.

        ولو فرضنا أنه أخَّر ما يُريد ذبحه من الزواجر والجوابر خرج وقت ذبح هدي التطوع والقِران ووقت ذبح الأضحية، فإنه يجوز له؛ يعني: إن قدَّمه، أو أخَّره، أو ذبحه في وقت ذبح هدي التمتع والقِران ووقت الأضحية؛ فالأمر فيه واسع.

        أما وقت الأضحية ووقت هدي التمتع والقران، فإنه محدد. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (286) من سورة البقرة.

[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل (8/98)، رقم(6463)، واللفظ له، ومسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله(4/2169)، رقم(2816).

[3] من الآية (32) من سورة النحل.