Loader
منذ 3 سنوات

نصيحتكم لمن توفي والده وهو خارج بلده ومع ذلك لم يصل أمه وأهله وأخوته


  • فتاوى
  • 2021-09-19
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (1576) من المرسل أ. س. أ. ح، مصري الجنسية يعمل بالأردن، يقول: أرجو أن تتفضَّلوا بنصيحة إلى شخصٍ توفِّي والده وهو خارج بلده، ومضى عليه أكثر من سنة وهذا الولد لم يقُم بصلة ِأهله ولا أمه ولا إخوته.

الجواب:

        العلاقة بين الأقارب لها أهمية عظيمة، وتحتاج إلى قواعد تضبِطُها من جهة ما هو واجب، وما هو مستحب، وما هو محرَّم؛ فليس مجرد القرابة موجباً لأن يقوم أحد القريبين بالآخر على الوجه الأكمل، فالله -جلّ وعلا- قال في الأبَويْن المشرِكيْن:"وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا"[1]، فالأبوان إذا كانا مشركين فإن الشخص يقوم ببرِّهِما؛ يعني: لا يقطع الصلة فيما بينه وبينهما؛ ولكنه لا يجعل مجرد القرابة بينه وبينهما سبباً في أن يُطيعهما فيما حرَّم الله: يأمُرانِه بما حرم الله، أو يأمرانه بترك ما أوجب الله، فتُشْرَع المصاحبة منه لهما في الدنيا بالمعروف، وذلك من باب الإحسان بالقول، والصدقة، والإنفاق عليهما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، والله -جلّ وعلا- قال:"لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ"[2].

        فإذا كان الشخص من الأقارب مُنصرِفاً عن الله -جلّ وعلا- ومُحادّاً له في شرعِه يترك أوامره ويفعل ما نهاه الله عنه؛ فإنه لا يجوز لقريبه الآخر أن يَودَّه وأن يُحبَّه، وهذا لا يمنع أن يُحقِّق ما سبق في الأمر الأول من مصاحبة الوالدَيْن المشركَيْن بالمعروف، فمصاحبتهما بالمعروف تختلف عن مودتهما ومحبتهما؛ بل لا بدّ من أن يقوم بحق الله -جلّ وعلا- يؤديه على الوجه الأكمل في أقاربه الذين من هذا الصنف، ويقوم -أيضاً- بحق الوالدين على حدِّ ما شرع الله -جلّ وعلا-، ولهذا الرسول ﷺ قال: « اسْتأذنتُ ربي أن اسْتَغْفِر لأمي فلم يَأْذَن لي، واستأذنتُهُ أن أزُور قبْرَها فأَذِن لي »، والله -جلّ وعلا- قال:"وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ"[3]. مراعاة القيام بحق الله -جلّ وعلا- على الوجه الأكمل، وأن يُعطَى كلّ قريبٍ من الأقارب على قدْرِ ما يستحقُّه من الحق الذي شرعه الله له، وقد سبق بعض الأمثلة على ذلك.

        وتطبيقاً لحال هذا الشخص الذي سأل عنه هذا السائل يُنظَر في حاله وحال أبيه، فإذا كان أبوه مستقيماً على دين الله -جلّ وعلا-؛ فحينئذٍ يكون الولد مقصِّراً في حق أبيه من جهة، وقد قصَّر -أيضاً- في حق أقاربه إذا كانوا مطيعين لله -جلّ وعلا-، وعليه أن يعود إلى رشدهِ، وأن يتصل بأقاربه، وأن يقوم بما لهم عليه من الحق الشرعي، وأن يستغفر ربه من التقصير الذي حصل منه فيما سبق؛ سواءٌ كان قبل وفاة أبيه، أو بعد وفاة أبيه.

        ومما يحسُن التنبيه عليه -هنا- أن كثيراً من الآباء والأبناء لا يقدرِّون حق العلاقة بين الأقارب حق قدرها، ولهذا نرى الأب يتعسَّفُ في حق أبنائه، ونرى الابن يتعسَّف ُفي حق أبيه، وفي حق أمه، وفي حق إخوته، وفي حق أخواته؛ والمقصود بالتعسف هو الخروج عن طريق الحق، وعن طريق الاستقامة؛ يعني: لا يؤدي الحق الذي عليه من جهة، وقد يظلم من جهة أخرى.

        فكلّ شخصٍ وجب عليه حق من الحقوق وهو يستطيع أن يؤدِيه ولكنه لا يؤديه؛ فإنه يكون بذلك من المتعسِّفين؛ وهكذا بالنسبة للإنسان الذي يظلم غيره يكون متعسفاً في ظلمه ذلك.

        وعلى كل قريبٍ أن ينظر إلى نفسه من جهة ما له من حق، وأن ينظر إلى قريبه بالنسبة لما له عليه من حقٍ فيأخذ حقَهُ من جهة، ويؤدي الحق الذي عليه من جهة أخرى؛ أما أنه يستوفي حقه؛ ولكنه لا يؤدي الحقوق التي عليه؛ فهذا قد استخدم التعسف بالنسبة لما وجب عليه من الحقوق. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (15) من سورة لقمان.

[2] من الآية (22) من سورة المجادلة.

[3] الآية (114) من سورة التوبة.