حكم العمل في مجتمع انتشرت فيه الرشوة
- فتاوى
- 2021-06-19
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (345) من المرسل السابق، يقول: المجتمع الذي نعيش فيه مجتمع مرابٍ، لا يعمل بشريعة الإسلام، وينتشر فيه أكل أموال الناس بالباطل؛ كالرشوة. ونحن في حاجة للعمل لنعيش، والعمل في أيدٍ فاسقة لا تقبل إلا بالرشوة، فماذا نفعل؟
الجواب:
أولاً: بالنسبة لما ذكره السائل من فشّو التعامل بالربا وكثرة المرابين، فهذا صحيح، وقد استساغ كثير من الناس التعامل بالربا، حتى صار عنده من الأمور السهلة؛ يعني: بمنزلة المعاملات المشروعة.
وقد قيل لبعض الأشخاص الذين يتعاملون بالربا يبيعون الذهب إلى أجل، ويشترونه إلى أجل: اتق الله، ولا تتعامل في الربا، فقال: إذا كثر المال عندنا تركنا الربا!
ففي الحقيقة مسألة الربا من جهة الحكم الشرعي ليست بخافية عن الناس؛ ولكن الحصانة الدينية التي تكون عند الشخص تختلف قوة وضعفاً، وعلى أساس اختلافها من جهة القوة والضعف تكون الحصانة الدينية عند الشخص من جهة ضعف الإقدام على التعامل بالربا، أو قوة التعامل بالربا، أو ترك التعامل بالربا مطلقاً.
فإذا كانت الحصانة الدينية قوية عنده فإنه لا يتعامل بالربا، وإذا لم يكن هناك حصانة دينية، أو كانت الحصانة ضعيفة؛ فإنه يتجرأ على التعامل بالربا بقدر ما عنده؛ هذا من جهة أصل التعامل.
وكذلك بالنسبة للأشخاص الذين يشتغلون عند المرابين، هم داخلون في عموم قوله تعالى:"وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"[1]؛ يعني: إنهم يتعاونون على الإثم والعدوان، فلا يجوز لهم أن يشتغلوا عند هؤلاء مما تكون فيه إعانة على الربا. والرسول -صلوات الله وسلامه عليه- لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: « هم سواء »[2].
فإذا كان الشخص يشتغل عند مرابٍ، ويأخذ منه أجراً ينفقه على نفسه وعلى زوجه وعلى أولاده، هذه النفقة نفقة محرّمة، وقد قال بعض الصحابة للرسول ﷺ: « ادعُ الله أن أكون مستجاب الدعوة » فقال له: « أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة »[3]، فأكل الحرام هذا من موانع قبول الدعاء.
وعلى هذا الأساس فواجب على هؤلاء السائلين، وكذلك غيرهم من الناس أن يتنبّهوا لأنفسهم من ناحية أن الشخص لا يشتغل في عمل محرّم، وعليه أن يبحث عن طريق يكسب فيه مالاً حلالاً ولو كان قليلاً.
ثانياً : بالنسبة للرشوة: الحقيقة أن السائل لم يذكر الأسباب الموجبة لدفع الرشوة؛ ولكن الأصل في هذا الباب هو أنه لا يجوز للإنسان أن يدفع الرشوة، ولا يجوز له أن يأخذها؛ فالدافع لها آثم، والآخذ لها آثم. ومن الناس من يدفع الرشوة من أجل أن يتحّصل على وظيفة لا يستحقها إلا بالرشوة؛ مثلاً يوضع في مرتبة أو يوضع في عمل بناء على أنه دفع هذه الرشوة.
ومن الوجوه التي تستعمل فيها الرشوة هو: أن تُدفع من أجل قلب الحق إلى باطل؛ وكذلك من أجل أن يتوصل بها الشخص إلى أمور ليست محمودة. أنا قصدي من هذا هو أن استعمال الناس للرشوة على شكل موسع، وأن أغراضهم فيها مختلفة.
فالحاصل أنه لا يجوز دفعها، ولا يجوز للشخص أن يأخذها، فإذا دفعها الشخص من أجل حصول على وظيفة مثلاً، فقد يُعاقب بأمر لا يدرك مدى عقوبته إلا بعد حصوله، لا بالنسبة للآخذ، ولا بالنسبة للمعطي. وبالله التوفيق.
[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب من لعن المصوّر(7/169)، رقم (5962)، ومسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب لعن آكل الربا وموكله(3/1219)، رقم (1598).