حكم السكن مع التارك لبعض الصلوات مع نصحه لهم
- الصلاة
- 2021-12-18
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (4238) من المرسل ع. م. أ، من مكة المكرمة، يقول: أجلس في مكة المكرمة، ومعي بعض الإخوة الذين جمعتنا ظروف العمل بهم، ويوجد جزء من هذا الجمع تاركين للصلاة، أو بعضهم يؤدي الصلوات مثل: صلاة الظهر فقط، أو العصر فقط، ونصحناهم مرات عديدة، ولا جدوى من النصيحة، علماً بأنني قرأت في الأحاديث: أن تارك الصلاة كافر، والكافر لا يجوز له الجلوس في مكة أو دخولها، هل لنا ذنب في السكن والجلوس معهم؟
الجواب:
الصلاة ركن من أركان الإسلام، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، ومما يؤسف له أن كثيرًا من الناس تساهل بها؛ فمنهم من لا يؤديها أصلًا، ومنهم من يصلي بعض الأوقات بعض الصلوات ويترك بعضها، ومنهم من يصليها لكن بعد خروج وقتها، ومنهم من يصليها ولكنه لا يصليها في المسجد بل يصليها في البيت، ولا شك أن كل واحد من هؤلاء سلك مسلكاً ليس شرعيًا، فإن الرسول ﷺ قال: « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر »، وقال ﷺ: « بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة ».
وجاءت آيات كثيرة في القرآن فيها بيان الأمر بالصلاة، وفي بعضها بيان الجزاء المترتب على تارك الصلاة، وكذلك جاءت أدله دالة على وجوبها في الجماعة، وعلى العقوبات المترتبة على من تركها من ترك أدائها في الجماعة، وكذلك المحافظة عليها في وقتها.
فالواجب على الشخص أن يعيد النظر في نفسه، ويتفقد أحواله من جميع الجوانب الدينية، ومن ذلك جانب الصلاة، هل هو محافظ عليها في أوقاتها مع الجماعة، أو أنه مفرط في جانب من الجوانب التي يجب المحافظة عليها، فإذا كان لا يصلي أصلاً، فهذا كافر مرتد عن الإسلام يستتاب ثلاثًا، فإن تاب وإلا قُتل.
وكذلك من يصلي بعض الصلوات ويترك بعضها؛ يعني: لا يبالي، بعضهم إذا خرج من الدوام ينام، ويقول لأهله لا يوقظوه إلا بكذا، فتفوته صلاة العصر والمغرب والعشاء مثلاً.
وعلى هذا الأساس يجب على الشخص أن ينظر موقفه من جهة الصلاة، ويرجع إلى الله -جلَّ وعلا- ويتوب إليه، فإن الله -جلَّ وعلا- يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[1].
أما صحبة هؤلاء فإذا كان الشخص يتمكن من صحبتهم مع دعوتهم؛ يدعوهم، يرّغبهم يرّهبهم، يأتي بآيات وأحاديث الترغيب وآيات وأحاديث الترهيب فإن « الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم ».
فأنت بنصيحتك لأخيك، تكون سبباً في هدايته، وصرفه عن طريق الضلال إلى طريق الهدى.
أما إذا كانت صحبتك له لا تدعو لا من أجل دعوته، وأنت تتمكن من ترك صحبته، فلا يجوز لك مصاحبته، لأنك بهذا تغريه، فأنت صحبته لا تدعوه وتتمكن من تركه ولكنك لا تتركه.
أما إذا كانت صحبتك له لا تستطيع أن تتخلص منها، فالله جل وعلا يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[2] فأنت تسير معه على حسب استطاعتك.
ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس لا يهتم بهذه الناحية، فتجده يصاحب تارك الصلاة كما يصاحب المحافظ على الصلاة، ولا يدعوه إلى المحافظة على الصلاة، ويتمكن من التخلص منه؛ ولكنه لا يفعل ذلك، والله جل وعلا يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}[3]، ويقول جل وعلا: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[4].
فعلى كل شخص أن يتقي الله في نفسه من جهة محافظته على أوامر الله، ومن جهة المحافظة على ترك ما حرم الله جل وعلا، وأن يكون معيناً على الخير، ولا يكون معيناً على الإثم، فإن الله جل وعلا يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[5] وبالله التوفيق.