Loader
منذ سنتين

ما الأسلوب الذي ينبغي على الداعية وطالب العلم اتباعه ممن تظهر عليهم علامات المعصية


  • فتاوى
  • 2022-02-21
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (9996) من مرسلة من جدة، تقول: ما الأسلوب الذي ينبغي على الداعية وطالب العلم اتباعه ممن تظهر عليهم علامات المعصية فهؤلاء إخوانه. والمعصية أياً كانت لا تخرجهم من دائرة الإخاء في الدين لاسيما أنه مسلم لم ينف عن نفسه الإسلام، ويدخل في ذلك الأشخاص الذين انتهت كل اهتماماتهم حتى خلصت إلى اتهام العلماء وتفسيقهم والتشهير بهم في ساحات الإنترنت كونه يخالف رأياً يراه ونحو ذلك، ما توجيهكم أحسن الله إليكم؟

الجواب:

        من المعلوم أن الله -جل وعلا- أرسل الرسل وأنزل الكتب، والرسل بلغوا أممهم ما أمرهم الله بتبليغه، وآخرهم محمدٌ ﷺ، وآخر الكتب هو القرآن، ورسالة الرسول ﷺ عامة للإنس والجن. وهذه الشريعة كاملة لا تحتاج إلى زيادة ولهذا يقول -جل وعلا-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[1] وإذا نظرنا إلى القرآن وجدنا أنه هو أصل التشريع، وإذا نظرنا إلى علاقة بعضه ببعض وجدنا أن القرآن يبيّن بعضه بعضاً، وإذا نظرنا إلى السنة وجدنا أن بعضها يبيّن بعضاً، وأنها مبينة للقرآن كما قال -جل وعلا-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[2] الآية. وكما قال -جل وعلا-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[3] وكما قال -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}[4].

        وبناءً على وجود التلاحم بين القرآن والسنة فإن ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم وفي أمور دنياهم وفي أمور آخرتهم موجودٌ في القرآن وفي السنة؛ ولكن فهم القرآن وفهم السنة يحتاج إلى العلم بأمورٍ كثيرة، من هذه الأمور: علم اللغة سواء كان من جهة الوضع، أو من جهة الاستعمال؛ وكذلك من جهة فقه اللغة، وعلم التصريف، وعلم الاشتقاق، وعلم النحو، وعلم البلاغة بأنواعه الثلاثة؛ وكذلك علم رسم القرآن، وكذلك ما يحتاج إليه من علم القراءات، وكذلك يحتاج إلى معرفة علوم القرآن، وإلى أصول الفقه، وإلى علوم الحديث؛ وذلك من أجل أن يكون لديه معرفة بقواعد الحديث من جهة النظر فيها من ناحية بقائها، ومن ناحية متنها، ومن ناحية ثبوتها، ومن ناحية ثبوتها ما يتعلق بعلم الأسانيد وعلم الرجال، وما يتعلق بمتنها من جهة الفقه، ومن جهة ما يعرض لها من الشذوذ ومن العلة وغير ذلك من عوارض الأدلة. وأصول الفقه -أيضاً- تساعد على ذلك؛ لأن فيه بعض العلوم تكون مشتركة بين علم السنة وبين علم القرآن، فيحتاج الشخص إلى أن يكون على بينةٍ من هذه العلوم. يضاف إلى ذلك أن يكون عنده علم بمقاصد الشريعة، ويكون عنده علم بسيرة الرسول ﷺ، وعنده علمٌ بالتاريخ الذي له علاقة بما قص الله -جل وعلا- في القرآن من أخبار الأمم الماضية.

        فإذا توفرت لديه هذه العلوم فإنه يستطيع بذلك أن يستخدمها على أيدي العلماء من أجل أن يفهم القرآن وأن يفهم السنة؛ ذلك أن الله -جل وعلا- حينما ينزل آياتٍ من القرآن على وجه الاعتقاد أو على وجه تشريع يريد منها معنى؛ وهكذا الرسول ﷺ إذا تكلم بحديثٍ من الأحاديث فإنه يريد منه معنى. ومن المعلوم أن القرآن عربي نزل بلغة العرب، وأن الرسول ﷺ عربي، فيحتاج الشخص إلى أن يتلمس مراد الله -جل وعلا- ومراد رسوله ﷺ؛ وذلك من أجل الوقوف عليه على وجهٍ صحيحٍ عن طريق هذه الوسائل.

        وبناءً على ذلك إذا نظرنا إلى كثيرٍ من الأشخاص الذين يتكلمون في الشريعة من جهة التحليل والتحريم إذا قارنا بين ما يتكلمون به وإلى ما ينبغي أن يكونوا عليه من العلم؛ فإنه لا يكون على المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه حينما يتكلم في مسألةٍ من المسائل؛ لأن بعض الناس تكون عنده جرأة وقدرة على الكلام؛ لكن الكلام الذي يتكلم به ليس من الكلام الشرعي؛ وإنما هو من الكلام الفكري،فتكون عنده تصوراتٌ يعتقد أنها شرعية؛ ولكن هي في واقع الأمر كلامية؛ بمعنى: إنها من إنشاء فكره؛ ذلك أنها إذا طبقت على مواقعها من الشريعة وُجد أنها لا تنطبق على موقعٍ صحيح، وهذا في كثير من الأمور؛ لكن قد يوجد قليل من الكلام ينطبق على محله، ولهذا قال الله -جل وعلا-: فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ؛ بمعنى: إنهم يفهمونه، {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}[5]، فإنذارهم لقومهم إذا رجعوا إليهم يكون على بصيرة؛ ذلك أنهم ينذرون من الرصيد الفقهي السليم الذي تعلموه. وكذلك قال عمر -رضي الله عنه-: « تفقهوا قبل أن تسودوا». وبناءً على ذلك كله فينبغي للمتكلم أن يعرف حقيقة نفسه من الناحية العلمية، وأن يعرف المجال الذي يريد أن يتكلم به.

        ومن جهةٍ ثالثة السامع لهذا الكلام لابد أن ينظر إلى مستوى هذا الشخص من الناحية العلمية وعلاقته العلمية: علاقة الحالة العلمية أو الصفة العلمية بالموضوع الذي يتكلم فيه؛ فأنت ترى مهندساً يتكلم في أمور الشريعة، وترى دكتوراً في الزراعة ويتكلم في أمور الشريعة، ويكون عند شخص تخصصٌ ما من التخصصات كالأمور الطبية أو ما إلى ذلك فإذا نظرت إلى البنية التحتية عند هذا الشخص لا تجدها شرعية مع أنه يتكلم بأمور الشرع.

        فالواجب على الإنسان أن يتقي الله في نفسه، وألا يقدم على الكلام في أمور الشريعة إلا وعنده بصيرة؛ لأن الملائكة يكتبون ما يقوله، وسيسأله الله عنه، وقد قال -جل وعلا-لنبيه ﷺ: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)}[6]. ولما ذكر جملة من المحرمات قال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[7] ومن قال بالقرآن برأيه فإنه لا يجوز له ذلك، وقد جاء الوعيد من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار؛ إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على تحريم القول على الله -جل وعلا- بغير علمٍ. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (3) من سورة المائدة.

[2] من الآية (44) من سورة النحل.

[3] من الآية (7) من سورة الحشر.

[4] الآيتان (3-4) من سورة النجم.

[5] من الآية (122) من سورة التوبة.

[6] الآيات (44-46) من سورة الحاقة.

[7] من الآية (169) من سورة البقرة.