Loader
منذ سنتين

هل لبداية تربية النفس عمر معين؟ وما الوسائل المعينة؟


  • فتاوى
  • 2022-02-12
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (11402) من المرسل السابق، يقول: هل لبداية تربية النفس عمر معين؟ أم من حين يعقل صاحبها عليه أن يفعل ذلك؟ وما الوسائل المعينة؟

الجواب:

        الله -سبحانه وتعالى- يقول: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[1]، ويقول الرسول ﷺ: « كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه »، ويقول الله -سبحانه وتعالى- في الحديث القدسي: « خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين ».

        والله -سبحانه وتعالى- أرسل الرسل وأنزل الكتب، والرسل بلّغوا هذه الكتب، كلّ رسول بعثه الله إلى قومه خاصة إلا الرسول ﷺ فرسالته عامة للأنس وللجن. قال الله -سبحانه وتعالى-: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[2]، ويقول: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[3]، ويقول -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[4].

        ولما رأى الرسول ﷺ ورقة من التوراة في يد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: « ما هذه يابن الخطاب؟ قال: ورقة من التوراة، قال: « أفي شك أنت يابن الخطاب؟ لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي ».

        وعلى هذا الأساس: فمصدر التربية هو القرآن والسنة، والتربية بالنسبة لولي الأسرة يقول الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[5]، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع »، ويقول: « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ».

        فالتربية إذن تبدأ من البيت، فالأب مسؤول عن تربية أولاده: يعلّمهم العلوم الواجبة عليهم، يعلّمهم كيفية الطهارة، كيفية الصلاة وما إلى ذلك. وإذا كانت البلد فيها جهات تعليمية تعلم الأمور الدينية فبإمكانه أن يتابع أولاده في ذلك؛ هذا من جانب.

        ومن جانب آخر هو نفسه يكون قدوة حسنة، من ناحية العلوم التي يتعلمها، ومن ناحية التطبيق العملي؛ لأن بعض الناس يقول ولكن فعله يخالف قوله. والأولاد -في الغالب- ينظرون إلى الأفعال، ولهذا يقول الله
-جلّ وعلا-:
{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[6].

        فإذا كان رب الأسرة متمكناً من معرفة الأمور الواجبة والأمور المحرمة العينية، ويطبق هذا الأمور ويعلم أولاده.

        وعلى هذا الأساس تكون هذه الأسرة؛ سواء من البنات أو من البنين؛ وكذلك من الزوجة أو الزوجات، تكون هذه الأسرة تتربى تربية شرعية مستمدة من القرآن والسنة على يد راعيها وهو رب الأسرة الأمين.

        وفيه جانب آخر من ناحية التربية في دُور التعليم؛ يعني: يكون المعلم متمكناً من هذه الأمور الشرعية، ويكون عاملاً بها، ويكون داعياً للطلاب يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحرص على أنه لا تكون عنده مخالفة في ذلك.

        هذا بالنظر إلى التربية في جميع مراحل التعليم على اختلاف مستوياتها. ومما يؤسف له أنك تجد أن بعض المدرسين يكون قدوة سيئة؛ سواء من ناحية هيئته، أو من ناحية تعامله مع الطلاب، أو من ناحية مخالفته في الأمور الشرعية. فبعض المدرسين حينما يأتي وقت الصلاة يجلس في الفصل ويأمر الطلاب أن يذهبوا للصلاة!

        فالمقصود أن المدرس عليه مسؤولية عظيمة من ناحية التربية، وهكذا بالنظر إلى جميع الأجهزة الحكومية من ناحية تعامل الرؤساء مع المرؤوسين؛ بمعنى: إن الرئيس يكون قدوة حسنة في مجال العمل الذي هو يشتغل فيه، يكون قدوة في جميع تصرفاته؛ وبالتالي يحمل الموظفين على هذا المنهج، وعندما تحصل مخالفة يعالجها بالطريقة التي تحقق هذه المصلحة.

        وهكذا بالنظر إلى التربية في المجتمع فالرسول ﷺ قال: « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه »؛ فهذه تربية من ناحية المجتمع.

        فإذا حصل التعاون من جهة الأسرة، وحصل التعاون من جهة المدرس والطالب، وحصل التعاون من ناحية الأجهزة الإدارية، وحصل تعاون -أيضاً- من ناحية المجتمع؛ هذه كلها تكّون مجتمعاً صالحاً، ولهذا يقول بعض الحكماء: "إذا أردت أن تصلح العالم فابدأ بصلاح نفسك فإن العالم مكون من أفراد أنت منهم".

        لكن إذا أهمل الإنسان نفسه وأهمل أسرته، والمدرس صار قدوة سيئة؛ بل وربما تكون منه أعمال مع الطلاب من أسوء ما يكون، وكذلك المدير إذا كان يتعامل بالرشوة أو الربا، أو أنه يظلم هذا الشخص دون ذنب، ويكرم الآخر دون استحقاق؛ إلى غير ذلك. فكل هذه الأمور منافية للعدل ومنافية للإحسان. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (30) من سورة الروم.

[2] الآية (1) من سورة الفرقان.

[3] من الآية (19) من سورة الأنعام.

[4] من الآية (28) من سورة سبأ.

[5] من الآية (6) من سورة التحريم.

[6] الآية (3) من سورة الصف.