Loader
منذ سنتين

ما تفسير قول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا......}، وما علاقتها بواقع الناس؟


  • فتاوى
  • 2022-02-21
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (9893) من المرسل السابق، يقول: ما تفسير قول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}[1]، وما علاقتها بواقع الناس؟

الجواب:

        هذه الآية تبين سنة من سنن الله -جل وعلا- في خلقه وبيان ذلك على وجه الاختصار:

        أن الله -جل وعلا- حرم الظلم على نفسه، وجعله محرماً بين خلقه، وأرسل الرسل وأنزل عليهم الكتب، والرسل بلّغوا ما أمروا بتبليغه وآخرهم محمد ﷺ وأنزل الله عليه القرآن وأتاه مثله من السنة « ألا أنني أوتيت القرآن ومثله معه ».

        وشريعة الرسول ﷺ كاملة وثابتة وحاكمة وعامة لجميع الإنس والجن، فهم مأمورون بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وفيها ما هو فرض عين ٍ، وفيها ما هو فرض كفاية.

        وبناءً على ذلك فالفرد أو الأسرة أو الدولة -أي دولة في العالم- هي مخاطبة بهذا القرآن وبسنة الرسول ﷺ، والتغير الذي يحصل تارةً يكون تغيراً من حالٍ حسنةٍ إلى حالٍ سيئة، وتارةً يكون التغير من حالةٍ سيئةٍ إلى حالةٍ حسنة، وقد يكون التغير من حالةٍ حسنةٍ إلى حالةٍ أحسن أو من حالةٍ سيئةٍ إلى حالةٍ أسوأ، هذا التغير الذي يحصل سببه المخاطبون في هذه الشريعة كلٌ فيما يخصه وفيما هو مكلفٌ به، فإذا تغير من حالةٍ حسنةٍ إلى سيئة أو من سيئةٍ إلى حسنة فقد قال الله -جل وعلا- في الحديث القدسي: « ما من أهل بلدٍ ولا قرية كانوا على ما أحب فتحولوا منه إلى ما أكره إلا تحولت لهم عما يحبون إلى ما يكرهون، وما من أهل بلدٍ ولا قريةٍ كانوا على ما أكره فتحولوا منه إلى ما أحب إلا تحولت لهم عما يكرهون إلى ما يحبون ».

        وعلى هذا الأساس عندما نجد المصائب التي تحصل، ولا فرق في ذلك بين حوادث الطرق، وحوادث القطارات، أو حوادث الفيضانات، أو حوادث الزلازل، أو غير ذلك من الحوادث التي تحدث على بني آدم -إذا نظرنا إليها وجدنا في الحقيقة أنهم هم السبب في ذلك، كما قال الله -جل وعلا-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}[2]، ويقول -جل وعلا-: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[3]، وكما قال -تعالى-: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}[4] إلى غير ذلك من الآيات التي تقرر هذا المبدأ، وهو أن المصائب التي تحصل هذه العقوبات التي تحصل بسبب ذنوب بني آدم.

        ولكن مما يؤسف له أن هذه المصائب مثل الفيضانات والزلازل التي حصلت في هذه الأيام القريبة هذه موعظةٌ للعالم بأجمع من ناحية أنهم يجب عليهم التنبه من ناحية وجوب الأخذ بشرع الله -جل وعلا-؛ ولكن إذا كانت القلوب لا تهتم ولا تتأثر بهذا، فكما قال الله -جل وعلا-: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[5]، وكما قال: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}[6] إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن القلب إذا طبع عليه بسبب كثرة المعاصي التي يزاولها هذا الشخص لا يرى معروفاً ولا يرى منكراً؛ بل يكون عنده فعل المنكر كأنه فعل معروف.

        فالواجب على الناس أن يتنبهوا لهذه المواعظ التي يعظ الله -جل وعلا- بها خلقه، وقد قال الله -تعالى- في سورة في سورة هود في قصة لوط {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}[7].

        قال ابن عباسٍ -رضي الله عنه- في تفسير هذه الآية:وما هي من ظالمي هذه الأمة ببعيدٍ؛ يعني: إن هذه العقوبات التي وقعت على قوم لوطٍ أنها ليست ببعيدةِ عن هذه الأمة إذا فعلوا مثل فعلهم.

        فالواجب على المسلمين ولا فرق في ذلك بين الفرد والأسرة والدولة،الواجب عليهم أن يتنبهوا إلى وجوب تحكيم الله -جل وعلا-، وعدم الخروج عنه ولو قيد أنملة والله -سبحانه وتعالى- يقول: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}[8]، ويقول جل وعلا: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}[9]. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (11) من سورة الرعد.

[2] الآية (30) من سورة الشورى.

[3] من الآية (79) من سورة النساء.

[4] من الآية (36) من سورة الروم.

[5] الآية (14) من سورة المطففين.

[6] من الآية (155) من سورة النساء.

[7] الآيتان (٨٢ - ٨٣) من سورة هود.

[8] من الآية (40) من سورة العنكبوت.

[9] الآيتان (١٣ - ١٤) من سورة الإسراء.