Loader
منذ سنتين

ما مفهوم الوسطية؟


  • فتاوى
  • 2022-02-12
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (11317) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: ما مفهوم الوسطية وقد حُمّلت مالا تطيق، فقد أُهمِلت المندوبات وارُتكبت المكروهات؛ بحجة يسر هذا الدِّين، فما معنى الوسطية؟ وكيف نفهمها؟

 الجواب:

        مادة الوسط: الواو والسين والطاء، لها مفهوم لغوي، ولها مفهوم شرعي، ولها مفهوم اصطلاحي، ولها مفهوم عرفي.

        وإذا نظرنا إلى مدلول الكلمة من الناحية الشرعية وجدنا أن الله -سبحانه- ذكر في القرآن هذا اللفظ، كما في قوله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[1] وجاء في قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا}[2]، وفي قوله -جلّ وعلا-: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}[3].

          وإذا نظرنا إلى مدلول هذه الكلمة الشرعي، وجدنا أن الله -سبحانه وتعالى- شرع هذه الشريعة لأمة محمد ﷺ إلى أن تقوم الساعة. وإذا نظرنا إلى هذه الشريعة من جهة أصلها وإن شئت أن تقول من جهة كليتها، ومن جهة أنواعها، ومن جهة أعيانها؛ وكذلك من جهة مكان الأداء-مكان الفعل-، وكذلك زمان الفعل وجدنا أن هذه الشريعة وسط في أصلها، في جنسها، في أنواعها، في زمانها، وفي مكان أدائها.

        وإذا نظرنا إلى هذه الشريعة من جانب آخر وجدنا أن هذه الشريعة ينظر إليها من الناحية النظرية، ومن الناحية التطبيقية، ولهذا عندما يقرأ الإنسان كثيراً من أدلة التشريع يجدها أدلة تشريعية مطلقة؛ لكن إذا نظرنا إلى الجانب التطبيقي وجدنا أن التطبيقي على حسب أحوال الناس. ومن أجل ذلك جاءت الرخص في هذه الشريعة.

        والرخص جاءت في الشريعة من أجل التخفيف على المكلفين؛ لأن كلّ فرع من فروع الشريعة عندما يزاوله الشخص يقترن بفعل هذا الأمر مشقة، ومشقة كلّ عمل بحسبه؛ ولكن هذه المشقة من حيث الأصل هي مشاق معتادة. فمشقة الصيام، ومشقة الحج، ومشقة أداء الصلاة؛ إلى غير ذلك من أمور الشريعة.

        عندما يكون أداء هذه العزيمة مقترناً بمشقة خارجة عن المعتاد نجد أن الله -جلّ وعلا- شرع الرخص إلا في ثلاثة مواضع لا تدخلها الرخص وهي: الشرك بالله -جلّ وعلا-؛ هذا لا يجوز للإنسان أن يشرك بالله من باب الرخصة، وقتل النفس بغير حق؛ هذا -أيضاً- لا يجوز، ولا تدخله الرخصة؛ وكذلك الزنا بالنسبة للرجل؛ وأما المرأة فيتصور فيها الإكراه.

        وعلى هذا الأساس نجد في القرآن والسنة أدلة كثيرة تدل عن العدول عن العزائم حينما يقترن الالتزام بها يقترن بمشقة خارجة عن المعتاد.

        وبناء على ذلك كله الشريعة ينظر إلى وسطيتها من جهة العزائم، وينظر إلى وسطيتها من جهة الرخص التي شُرعت بجانب هذه العزائم؛ وذلك من أجل المصلحة سواء كان ذلك في القرآن، أو كان ذلك في السنة.

        أما بالنظر لكلمة الوسطية التي يتداولها الناس بمعنى التنازل عن شيء من أصول التشريع، أو تحليل حرام، أو تحريم حلال، أو إسقاط واجب من الواجبات، أو ترك المندوبات؛ بحجة أن هذه الشريعة وسطية، فلا بدّ أن يفهم مدلول هذه الكلمة بحسب ما دلت عليها أدلة الشريعة.

        أما أن يؤتى بهذا اللفظ ويوضع له معنى. واضع المعنى لهذا اللفظ قد يكون جاهلاً في الشريعة، ويضع معنى لا يتفق مع مدلول الوسطية
-المدلول الشرعي-.

        وعلى هذا الأساس كله، عندما نسمع بهذه الكلمة لا بدّ أن نطلب من الشخص الذي يتكلم بها المدلول الذي يريد تطبيقه من هذه الكلمة، ويعرض هذا المدلول على المدلول الشرعي.

وإذا نظرنا إلى عرض ذلك على المدلول الشرعي وجدنا أن النسبة لا تعدو حالة من حالات أربع:

الحالة الأولى: أن يكون فيه تباين بين المدلول الشرعي والمدلول الذي قصده المتكلم بهذا.

الحالة الثانية: أن يكون فيه تطابق تماماً.

الحالة الثالثة: أن المدلول الشرعي أعم.

الحالة الرابعة: أن المدلول التي وضعته الجهة يكون أعم.

        فتكون النسبة بينهما الأول أعم مطلقاً، والثاني أخص مطلقاً، أو الأول أخص مطلقاً والثاني أعم مطلقاً؛ فالنسبة لا تعدو ذلك، وقد يكون بينهما عموم وخصوص نسبي.

        فالمهم هو أنه لا يتلاعب بهذا اللفظ، وتهدر أمور كثيرة في الشريعة بناء على أن هذا مدلول شرعي، والشريعة بريئة منه. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (143) من سورة البقرة.

[2] من الآية (67) من سورة الفرقان.

[3] من الآية (110) من سورة الإسراء.