هل الأحكام في الشريعة ترجع إلى القواعد الكلية في الغالب؛ أي: إذا ضبط القواعد الكلية سهل عليه الاستدلال؟
- فتاوى
- 2022-02-11
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (11293) من مرسل طالب علم، يقول: هل الأحكام في الشريعة ترجع إلى القواعد الكلية في الغالب؛ بمعنى: إذا ضبط طالب العلم القواعد الكلية سهلت عليه أمور الاستدلال؟
الجواب:
من المعلوم أن الشريعة موضوعة بحسب القواعد، وهذه القواعد منها قواعد أصول، ومنها ما هو قواعد فقه، ومنها ما هو قواعد مقاصد الشريعة. والشخص يريد أن يستنبط فرعاً من دليل من الأدلة، أو تقع واقعة ويريد أن يرد هذه الواقعة إلى مدركها من الشريعة، فما دونّه الفقهاء المتقدمون في المذاهب الأربعة من الفروع، وما ذكروا من بيان مراجع هذه الفروع وهي المدارك، فمتون الفقه يذكرون فيها المسائل وأحكام المسائل؛ سواء أكان الحكم تكليفياً، أو كان وضعياً. وفي شروح هذه المتون بعضهم يذكر مدارك هذه المسائل.
وإذا تتبعنا المدارك التي يذكرونها وجدنا أنهم قد يرجعون الفرع إلى دليل خاص، أو إلى دليل عام، أو إلى قاعدة عامة، أو إلى قاعدة خاصة، أو إلى إجماع، أو إلى قياس أصولي. وقصدي بالقياس الأصولي إلحاق فرع بأصل بناء على اتفاق هذا الفرع مع الأصل.
وإذا لم يجد من هذه المدارك ما يصلح أن يكون مدركاً لهذا الفرع فإنه يرجع إلى ما يسمى بالمصالح المرسلة. والمصالح المرسلة عبارة عن النظر إلى مقاصد الشريعة، فإذا وجد أن هذه المسألة مصلحة محضة، أو مفسدة محضة، أو مشتملة على مصلحة ومفسدة ولكن المصلحة أرجح، أو مشتملة على مصلحة ومفسدة ولكن المفسدة أرجح، أو على مصلحة ومفسدة ولكنهما متساويان في نظر الشخص المؤهل، ففي هذه الصورة يمتنع، وهذا هو الذي يقول فيه أهل العلم: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح لهذه الصورة -فقط- عندما يتساوى جانب المصلحة وجانب المفسدة في نظر الإمام في الأمور العامة، أو في نظر القاضي، أو في نظر المفتي، أو ما إلى ذلك.
وقد يكون الفرع مشتملاً على مصلحتين لا بدّ من اعتبار إحداهما وإلغاء الأخرى، فينظر إذا كانت إحدى المصلحتين راجحة أخذ بالراجحة وألغى المرجوحة. وإذا كانت المصلحتان متساويتين فإنه يختار ما شاء منهما ويلغي الأخرى؛ يعني: عندما يعمل بمصلحة لا بدّ أن يفوت مصلحة، فإذا تساوتا فإنه يخير بما يريد أن يفعله؛ سواء بالنظر إلى ما يفعله، أو بالنظر إلى ما يلغيه. وإذا كانت المسألة مشتملة على مفسدتين ولا بدّ من إتيان هذا الأمر فينظر إذا كانت هذه المسألة مشتملة على مفسدة راجحة ومفسدة مرجوحة؛ فإنه يرتكب المفسدة المرجوحة ويلغي الراجحة. وإذا تساوت المفسدتان عنده ولا بدّ من الفعل فإنه يختار ما شاء منهما. ولو اشتمل على مفسدة؛ لأنه فوتّ عدم ارتكاب مفسدة مماثلة.
هذه صور تسع عندما ينظر الإنسان في باب المصالح المرسلة لا بدّ أن يكون الشخص مؤهلاً؛ بمعنى: إنه يعرف الأدلة، ويعرف الدلالة، ويعرف مقاصد الشريعة.
فعندما يكون مؤهلاً هذا التأهيل حينئذ يسهل عليه الربط بين فروع الشريعة وبين قواعدها؛ سواء كان الربط من جهة قاعدة أصولية، أو من جهة قاعدة فقهية، أو من جهة قاعدة من قواعد مقاصد الشريعة. وبالله التوفيق.