Loader
منذ سنتين

ما رأي فضيلتكم في تغيير المنكر باليد؟ ولمن يكون هذا التغيير؟


الفتوى رقم (3544) من المرسل م. ف. إ، من مصر -سُوهاج، يقول: ما رأي فضيلتكم في تغيير المنكر باليد؟ ولمن يكون هذا التغيير؟

الجواب:

 يقول الرسول ﷺ: « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع بقلبه... »الحديث.

ففي هذا الحديث بيان أصناف الناس، ودرجات تغيير المنكر، وأن كلّ صنفٍ من هذه الأصناف تناسبه درجة من هذه الدرجات، فالشخص إذا كان يستطيع تغيير المنكر بيده، وهذا يكون للأشخاص الذين تكون لهم ولاية، بمعنى: إن ولي الأمر جعل لهم تغيير المنكر باليد، وتكون للإنسان الذي له ولايةٌ على بيته، فقد يكون في البيت شيءٌ من المنكرات يستطيع أن يغيرها بيده.

وقد يكون تحت ولايته الخاصة، بحيث تكون له ولاية على أمرٍ من الأمور، ويستطيع أن يغيّر المنكر بيده، فهذا واجب عليه أن يغيره؛ ولكن مما ينبغي أن يتنبه له في هذا المقام: أن تغيير المنكر باليد إذا أدّى إلى وقوع مفسدةٍ أعظم من المفسدة التي اشتمل عليها المنكر، أو مفسدة مساوية للمفسدة الموجودة في المنكر، ففي هاتين الحالتين لا يجوز له أن يغير المنكر؛ لأن تغييره له أحدث مفسدةً أعظم، أو مفسدةً مساوية للمصلحة. وهكذا إذا كان تغييره للمنكر من باب تفويت أعلى المصلحتين في حصول أدناهما، فالمغير للمنكر كالطبيب مع المريض، فكما أن بعض الناس يصاب بمرضٍ في جسمه، فكذلك بعض الناس يصاب بمرضٍ في دينه، ويحتاج إلى من يعالج هذا المرض، والذي يغير المنكر هو كالطبيب مع المرض يحتاج أن يعالجه بما يحقق المصلحة، ويدرأ المفسدة، ومن خلال ذلك تتبين أهمية المسؤولية الملقاة على عاتق الذين يستطيعون تغيير المنكر بأيديهم ولا يغيرونه.

        والدرجة الثانية: من لا يستطيع أن يغيره بيده، ولكنه يستطيع أن يغيره بلسانه، بمعنى: إنه يستعمل بيان الحكم في الشرع لهذا المنكر، ويستخدم الوسيلة التي ينفذ من خلالها إلى قلب الواقع في المنكر، فإن الوسيلة تختلف، ولهذا يقول الله -جلّ وعلا-: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"[1]، فهذه ثلاث درجاتٍ للتغيير باللسان، فمن الناس من تنفع معه الموعظة، ومن الناس من تنفع معه الحكمة، ومنهم من يحتاج إلى أسلوب المناقشة والأخذ والرد، فحينئذٍ الذي يغير المنكر بلسانه يتنبه إلى الشخص الذي يريد أن يغير المنكر الذي هو واقعٌ فيه، هل هو من أهل الحكمة فيستعملها معه؟ أو من أهل الموعظة فيستعملها معه؟ أو من أهل المجادلة بالتي هي أحسن فيستعملها معه؟ وقد يستعمل الإنسان تغيير المنكر بالقول، ولكن بوسيلةٍ تفضي إلى جلب مفسدةٍ وتفويت مصلحة، فإذا كان يترتب على تغيير المنكر بالقول مفسدةً أعظم، أو مساوية للمصلحة؛ فحينئذٍ يترك تغييره.

والدرجة الثالثة: من لا يستطيع تغيير المنكر باليد ولا باللسان؛ ولكنه يستطيع أن يغير المنكر بقلبه، بمعنى: إنه يكره هذا الفعل، ويكره فاعله، يكرهه كراهية دينيةً، وبهذا يتبيّن ما لتغيير المنكر من الأهمية، والناس إذا نظرنا إلى وضعهم لا يخرجون عن هذه الدرجات الثلاث، فمنهم من يستطيع التغير باليد، وهم أهل السلطة على وجه العموم. ومنهم من يستطيع تغيير المنكر بالقول؛ مثل العلماء الذين يعرفون الحلال والحرام. والصنف الثالث الذي يُبغض بقلبه فيبغض المنكر، ويبغض أهله. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (125) من سورة النحل.