Loader
منذ 3 سنوات

معنى حديث: « خيركم من تعلم القرآن وعلمه »


  • فتاوى
  • 2021-08-06
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (7226) من المرسل السابق، يقول: قال رسول الله : « خيركم من تعلم القرآن وعلمه »([1])، ما معنى هذا الحديث؟

الجواب:

        الإنسان يقرأ القرآن للتعبد؛ يعني: أنه يتلوه وهكذا يُعلمه من جهة إقامة حروفه بحيث إن الشخص الذي يتعلم يأخذ من معلمه قراءةً صحيحة، ولهذا كان جبريل عليه السلام يُعارض الرسول ﷺ القرآن في رمضان، وفي السنة التي توفي فيها عرضه عليه القرآن مرتين.

        وعلى هذا الأساس سيقرأ المعلم والطالب يسمع، ويقرأ الطالب بقراءة المعلم، والمعلم يسمع بحيث تنضبط قراءة المتعلم على وفق قراءة المعلم إذا كانت قراءة المعلم صحيحة هذا وجه من وجوه التعليم.

        وفيه وجهٌ آخر وهو تعلم القرآن من ناحية فهم معانيه؛ يعني: اشتغال الإنسان في فهم القرآن؛ وكذلك اشتغاله في إفهام الناس لهذا القرآن؛ سواءٌ أكان هؤلاء الناس على مستوىً تعليمي نظامي، أو كان على مستوى تعليمي في المساجد، أو كان من باب الدعوة إلى الله -جل وعلا-.

        ومما ينبغي التنبيه عليه -هنا- هو أن الشخص عندما يريد أن يتعلم تفسير القرآن فلا بد أن تكون له عناية في اللغة من جهة فهم المفردات؛ وكذلك تصريف الكلمات، وكذلك من جهة الاشتقاق وذلك من أجل أن يكون على علمٍ من معرفة دلالة الألفاظ الموجودة في القرآن دلالتها من حيث اللغة، وكذلك من جهة علم النحو، وكذلك من جهة البلاغة، وكما أنه مأمورٌ ومطلوبٌ منه في فهم دلالة الألفاظ لغة إفراداً وتركيباً فهو -أيضاً- مأمورٌ بفهم الدلالة من جهة مراد الله -جل وعلا- ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه: التفسير على أربعة أوجه:

        1- وجه تعرفه العرب من لغتها 2-ووجه لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-. 3-ووجه لا يعذر أحدٌ بالجهل به كقوله -تعالى-:"وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا"[2] "وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ"[3] "وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ"[4]. 4-ووجه يعرفه العلماء فعلاً.

        فعلى هذا الأساس الشخص يحتاج إلى فهم الدلالات التي يمكنه الوصول إليها وهو مما لم يستأثر الله -جل وعلا- بعلمه كالمتعلق بذاته وأسمائه وصفاته؛ فإن الإنسان يؤمن بها ولكن لا يستطيع أن يحدد مدلولها، ولهذا يقول الشافعي -رحمه الله تعالى-: "آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله على ما جاء عن رسول الله على مُراد رسول الله" ويقول الإمام مالك عندما سأله رجلٌ عن الاستواء قال: الاستواء معلومٌ، والكيف مجهولٌ، والإيمان به واجبٌ، والسؤال عنه بدعة، ولا أراك إلا رجلاً مبتدعاً، فأمر بإخراجه عنه لما سأله عن الاستواء، فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه فلا يدخل في تأويل ما استأثر الله -جل وعلا- بعلمه، لا يدخل في هذا الباب؛ ولكن عليه العناية بمعرفة دلالة القرآن من الناحية اللغوية من جهة؛ وكذلك من جهة الأحكام التي اشتمل عليها القرآن، فإن آيات الأحكام الموجودة في القرآن خمسمائة آية وزيادة قليلة، فعلى الإنسان أن يشغل نفسه؛ بمعنى: إنه يجعل له وقتاً يتعلم فيه تفسير القرآن. وإذا أراد أن يتوسع وأن يعلم الناس فهذا خير، ومن ذلك معرفة أسباب النزول، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، ومعرفة المشكل من القرآن كالآيات المتعارضة وما إلى ذلك.

        فعلى الإنسان أن يشغل نفسه بتعلم القرآن، ويشغل نفسه بتعليم الناس، ويكون داخلاً في عموم هذا الحديث، ويضيف إلى ذلك ما أمكنه أن يضيفه إليه من تفسير الرسول ﷺ فإن السنة مبينة للقرآن فكما أن القرآن يبيّن بعضه بعضاً.

        وقد بين ذلك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في كتابه أضواء البيان فإنه خدم هذا الجانب وهو تفسير القرآن بالقرآن؛ وهكذا تفسير القرآن بالسنة. ومن أحسن الكتب في هذا الباب تفسير ابن كثير -رحمه الله- فإنه اعتنى ببيان الأحاديث التي تكون عوناً للإنسان على معرفة معنى الآية، وأضاف إلى ذلك كثيراً من آثار الصحابة وآثار التابعين. وكذلك تفسير ابن جرير -رحمه الله- فإنه اعتنى ببيان تفسير الصحابة وتفسير التابعين وتفسير أتباع التابعين. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه (6/192)، رقم(5027).

[2]  من الآية (32) من سورة الإسراء.

[3]  من الآية (34) من سورة الإسراء.

[4]  من الآية (33) من سورة الإسراء.