حكم اتباع مذهب من المذاهب الأربعة
- الاجتهاد
- 2021-12-04
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (2398) من المرسل ع. ف، من العراق -محافظة التأميم، يقول: ما رأيكم في أئمة المذاهب الأربعة، وهل يلزم الشخص باتباع واحدٍ منهم؟ وهل صحيح ما يقال: من أنهم فرّقوا أمر الأمة؟
الجواب:
الأئمة الأربعة: الإمام أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، والإمام أحمد، أئمة كلّ واحدٍ منهم يطلق عليه بأنه مجتهدٌ مطلق؛ ومعنى ذلك: أنه يقرر القواعد لنفسه، ويستنبط منها المسائل في باب العقائد، وفي باب الفقه، والمجتهد إن أصاب فله أجران: أجر اجتهاده، وأجر إصابته، وإن أخطأ فله أجر اجتهاده، وخطؤه معفوٌ عنه، وبما أن الرسول ﷺ هو الذي بيّن أن خطأه معفوٌ عنه، فهؤلاء الأئمة -رحمهم الله- قعّدوا القواعد، وفرّعوا عليها الفروع الفقهية، وفرّعوا عليها مسائل العقائد، ثم إن هذه القواعد وهذه الفروع نقلت عنهم، نقلها أشخاص ينقلون مذهبه، ودُوّنت هذه المسائل، ولا تزال مدونةً إلى الآن من قواعد ومن فروعٍ فقهية، ولا شك أن هذه ثروةٌ عظيمةٌ.
ولكن الشيء الذي يحتاج إلى تنبيه هو أن الشخص الذي يريد أن يتبع إماماً من الأئمة، فهذا الشخص المتبع قد يكون قادراً على استنباط الأدلة من القواعد؛ لأن الذين تبعوا كلّ إمامٍ من هؤلاء الأئمة يقسمهم العلماء إلى أقسام، فمنهم المجتهدون المنتسبون، منهم المجتهد في الفتوى، ومنهم المجتهد في التخريج، ومنهم المجتهد في الترجيح، ومنهم المجتهد في التصحيح، ومنهم المقلّد؛ وحينئذٍ ننظر إلى الشخص إذا كان قادراً على أخذ الحكم بدليله، يستنبط الحكم من الدليل عن طريق التقعيد، ويستطيع أن يميز بين ما يكون مقبولاً، وما لا يكون مقبولاً، فهذا بإمكانه أن يأخذ ما صح عنده وثبت، وكان راجحاً على غيره؛ سواء كان من قول الإمام أحمد، أو مالك، أو الشافعي، أو أبي حنيفة؛ لأن الله تعبّد الناس بشرعه، ولكن هؤلاء يبينون للناس هذه الشريعة، كما قال الإمام الشافعي، قال: القرآن، القرآن؛ يعني: أصل التشريع هو القرآن، والسنة مبينةٌ للقرآن، وكلام أهل العلم مبينٌ للسنة وللقرآن، فحينئذٍ يأخذ العلماء من الصحابة، ومن التابعين وأتباعهم، إلى أن تقوم الساعة؛ كلامهم يكون مبيّناً للسنة وللقرآن؛ يعني: يعرض عليهما، فما وافق القرآن والسنة قُبل، وما خالفهما فإنه يرد، فإنه ثبت عن كلّ إمامٍ من الأئمة الأربعة أنه قال: إذا صحّ الحديث فهو مذهبي.
فالمقصود من هذا الكلام كله:
هو أن الأئمة الأربعة كلّ واحدٍ منهم مجتهدٌ مطلق، وأن أتباعهم سلكوا مسلكهم بالنسبة إلى من انتسب إلى المذهب، وهو مجتهد المذهب، ومنهم من مجتهد الفتوى، ومنهم مجتهد التخريج، والترجيح، والتصحيح، ومنهم المقلّد الذي يسأل من يثق به إذا أشكل عليه شيء. أما الشخص الذي يستطيع أن يأخذ الحكم بنفسه، فهذا يأخذ الحكم بنفسه، ويأخذ ما ترجّح عنده إذا كان عنده استعداد كامل لذلك.
وأما الصنف الآخر الذي لا يفرّق بين الأحكام؛ سواءٌ كانت أحكاما وضعية، أو تكليفية، ولا يعرف الأدلة، ولا يعرف القواعد، ولا يعرف اللغة العربية؛ فهذا ينبغي له أن يسأل من يثق به من أهل العلم.
وبهذه الطريقة يسير الناس على أمر سليم، أما التعصب للشافعي، أو للإمام أحمد، أو للإمام مالك، أو لأبي حنيفة، التعصب له، والتعصب لما يقول، واعتقاد أن ما يقوله هو حقٌ؛ فهذا لا يجوز، لأن المشرّع هو الله -جلّ وعلا- على لسان رسوله ﷺ، والواجب علينا أن ندعو لهم ولأمثالهم، وأن نقول: جزاهم عنا خيراً، وهكذا الدعاء لعلماء المسلمين؛ سواءٌ كانوا المتقدمين، أو كانوا من المتأخرين، أو كانوا من الموجودين الآن، فندعو لهم، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- لهم التوفيق. وبالله التوفيق.