Loader
منذ سنتين

أرشدونا لطريقة حفظ القرآن الكريم ومراجعته


الفتوى رقم (11821) من المرسلة السابقة، تقول: أرشدونا لطريقة حفظ القرآن الكريم ومراجعته.

الجواب:

ذكرت أكثر من مرة أن الشخص عندما يريد أن يجمع بين فهم القرآن وبين حفظه لابد له من اتباع الخطوات الآتية:

أولاً: تحديد الآيات التي تتكلم عن موضوع واحد. فإذا نظرنا إلى سورة البقرة وجدنا أنها تشتمل على موضوعات كثيرة، وسورة آل عمران والنساء إلى آخر القرآن، فلابد من تحديد الآيات التي تتكلم عن موضوع واحد، ثم يتصور ما هو هذا الموضوع، هل هو موضوع طلاق، أو رضاع، أم موضوع يتعلق بالصيام، أو الحج، أو المعاملات الربوية أو ما إلى ذلك.

 ثم ينظر في مفردات آيات هذا الموضوع، فإذا كان فيها شيء مشكل فيعرف معنى المفردات من جهة اللغة ومن جهة الاصطلاح، فإنه يتبين هذا المعنى. وفيه كتاب خرج قريباً اسمه (جامع البيان في مفردات القرآن) من أحسن الكتب التي تساعد على معرفة معاني المفردات.

ثم بعد ذلك ينظر في هذه الآيات هل لها سبب نزول. وفيه كتب متيسرة مثل (لباب النقول في أسباب النزول)، ومثل (المحرر في أسباب النزول) وفيه كتب كثيرة في أسباب النزول.

ثم ينظر في هذه الآيات هل طرأ عليها نسخ أولا، وفيه كتاب (الناسخ والمنسوخ) لابن النحاس.

 ثم ينظر في الآيات هل فيها شيء يتعارض من ناحية النطق مع آية أخرى؛ مثل: قول الله –جل وعلا- في سورة البقرة: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}[1]، مع أنه ذكر هذه الآية في عدة مواضع، وكلها يقول فيها: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}[2]، فكلمة (به) مقدمة في سورة البقرة ومؤخرة في غيرها. وفيه كتاب اسمه (دليل الآيات المتشابهات) خدم هذا الجانب.

ثم ينظر في هذه الآيات هل فيها شيء يتعارض مع آية أخرى، وهذا ما يسمى بالمشكل المعنوي. وفيه كتب كثيرة خدمة هذا الموضوع؛ مثل: (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) للشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله-، وكتاب (باهر البرهان في متشابه القرآن)، وكتاب (درة التنزيل وغرة التأويل في متشابه التنزيل) وغير هذه الكتب.

ثم بعد ذلك ينظر في معاني هذه الآيات حسب علامات الوقف. وأحسن كتاب يعتمد عليه في هذا هو تفسير ابن جرير الطبري. وفيه كتاب طبع اسمه (علل الوقوف)؛ بمعنى: إنه مشى على وقوف القرآن من أولها إلى آخرها، ويبين في كل وقف وجه الوقف على هذه الجملة.

ثم بعد ذلك ينظر في العلاقة بين هذه الجمل وبين هذه الآيات وبين هذه السور، وبين هذه الموضوعات وهذا ما يسمى بعلم المناسبات. ومن أحسن الكتب التي كتب في هذا (نظم الدرر في تناسب الآي والسور).

ثم بعد ذلك يفهم المعنى العام. وأحسن ما يرجع إليه تفسير الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي -رحمه الله-.

ثم بعد ذلك يفهم ما اشتملت عليه الآيات من الأحكام. وأحسن كتاب في هذا (الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي؛ وكذلك (أحكام القرآن) لابن العربي، و(أحكام القرآن) للجصاص. وفيه كتب كثيرة في أحكام القرآن.

        المهم: أنه لا بد من جميع هذه المراحل فعندما تنتهي هذه المراحل يكرر الآيات بقدر ما يسهل عليه حفظها؛ لأن بعض الناس قد لا يحفظ إلا إذا كرر الآيات مائة مرة أو قريباً منها. والبعض يحفظها عندما يقرؤها مرة واحدة؛ لأن مواهب الناس متفاوتة كما قال -جل وعلا-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}[3]، فهذه الرفعة التي ذكرها الله -جل وعلا- هي جارية على جميع ما يسعى فيه بنو آدم من ناحية الأمور التي جبلهم الله -سبحانه وتعالى- عليها؛ مثل: التفاوت في العقل، والتفاوت في الذكاء، والتفاوت في الأمور التي يزاولونها من تحصيل العلم وما إلى ذلك.

فعلى الإنسان أن يتقي الله في نفسه؛ بمعنى: إنه لا يسلك هذا المسلك وهو مثلاً يشرب الخمر، يتجنب هذه الأمور؛ لأن تجنب هذه المعاصي وعمل بالطاعات هذا من الأمور المساعدة، فإن الله -جل وعلا- {اتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}[4] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[5] فالآية الأولى في تحصيل التعليم. والآية الثانية في تمييز الآيات والموضوعات والمسائل التي قد يكون فيها اشتباه، فيفتح الله على هذا الشخص المتقي لله يفتح عليه كما قال -جل وعلا-: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[6]، فهذا يجعل الله له نوراً يضيء له الفروق التي بين هذه المتشابهة وتكون كأنها أشخاص أمامه يتكلم عنها. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (173) من سورة البقرة.

[2] من الآية (3) من سورة المائدة.

[3] من الآية (165) من سورة الأنعام.

[4] من الآية (282) من سورة البقرة.

[5] من الآية (29) من سورة الأنفال.

[6] من الآية (40) من سورة النور.