حكم من يصلي ويصوم ويرتكب الكثير من المعاصي
- الإيمان
- 2021-07-17
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (5922) من المرسل م.ع. من السودان، يقول: هناك كثير من الناس يشهدون أن لا إله إلا الله ويصلون ويصومون ويقومون بغير ذلك من الطاعات. وفي نفس الوقت يرتكبون أنواعاً كثيرة من المعاصي والذنوب وإذا نصحتهم يقولون: نحن مسلمون نصلي ونصوم وغير ذلك ونقوم بتخويفهم بأن الله سبحانه وتعالى شديد العقاب والحساب والعذاب، فيقولون لك: إن الله غفور رحيم، فهل نطقهم بهذه الكلمة العظيمة لا إله إلا الله تنجيهم من عذاب الله؟ أم أن لها شروطاً وأركاناً يجب أن يقوم بها المسلم لينجو من عذاب الله؟ فما هي لوازم لا إله إلا الله التي إذا قام بها الإنسان صار غير مخلد في النار أثابكم الله؟
الجواب:
الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل وأنزل عليهم الكتب. وآخر الرسل محمد ﷺ، وآخر الكتب القرآن، ورسالة الرسول ﷺ عامة للإنس والجن إلى أن تقوم الساعة، والقرآن كتابٌ عامٌ أيضاً. والله سبحانه وتعالى يقول:"تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا"[1]. وفي سورة الأنعام: "وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ"[2]، وقال ﷺ عن نفسه: « بُعثت إلى الأحمر والأسود »، ونزل جبريل على الرسول ﷺ على صورة أعرابي فسأله عن الإحسان- يعني أن جبريل سأل الرسول ﷺ فأجابه الرسول، وسأله عن الإيمان فقال: « الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، والقدر خيره وشره، فصدّقه ثم سأله عن الإسلام فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. فقال له: صدقت. فلما ولّى تعجب الصحابة من هذا الموقف فسألوه، فقال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم »؛ فالإيمان له أركان، والإسلام له أركان، وأركان الإيمان لا تتم إلا بتحقق أركان الإسلام معها، وأركان الإسلام لا تتحقق إلا بأركان الإيمان معها، وإذا جاء الإيمان مفرداً دخل فيه الإسلام، وإذا جاء الإسلام مفرداً دخل فيه الإيمان، وإذا اجتمعا فُسّر الإيمان بالأعمال الباطنة، وفُسّر الإسلام بالأعمال الظاهرة.
وبناءً على ذلك فالله سبحانه وتعالى قسم الناس في افتتاح سورة البقرة ثلاثة أقسام: مؤمنون ظاهراً وباطناً، وكفارٌ ظاهراً وباطناً، ومؤمنون بألسنتهم ولكنهم كفار في باطن أمرهم وهم المنافقون، فأربع آياتٍ ذكرها الله تتعلق بالمؤمنين، وذكر بعدها الآيات المتعلقة بالكافرين، وذكر ثلاث عشرة آية تتعلق بالمنافقين.
وعلى هذا الأساس فالناس ثلاثة أصناف: مؤمنون ظاهراً وباطناً، وكفارٌ ظاهراً وباطناً، ومؤمنون بألسنتهم ولكنهم كفار في باطن أمرهم.
الشخص عندما ينتسب إلى الإسلام ينبغي أن ينظر هو إلى نفسه وإذا نظر إليه شخصٌ آخر ينبغي أن ينظر إليه من خلال هذا التقسيم، فقد يكون الشخص مؤمناً ظاهراً وباطناً، أو كافر باطناً وظاهرا،ً أو أنه مؤمن بلسانه ولكنه كافرٌ بقلبه، ولهذا صارت العوارض التي تعرض للشخص في انتسابه إلى الإسلام على درجات:
الدرجة الأولى: أن يعرض للمسلم ما يمنع صحة إسلامه أو يمنع ادعاءه للإسلام، وذلك إذا ارتكب الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر، فهذه تمنعه من ادعائه للإسلام ومن صحة إسلامه هذه درجة. ولا شك أن الكفر -أيضاً- أعلى الدرجات ولكن كلها واحدة في النهاية؛ وهكذا الشرك الأكبر وهكذا النفاق الأكبر أصناف لكن كلها في درجةٍ واحدة من حيث النتيجة؛ بمعنى: إن كل واحدٍ من هؤلاء إذا مات على حالته فإنه خالدٌ مخلّدٌ في النار.
الدرجة الثانية: أن يتلبّس الشخص بشركٍ أصغر مثل الرياء، فإذا مات الشخص على هذا فإما أن يأخذ بحسناته بقدر شركه، وإما أن يدخله الله النار ويطهّره ومآله إلى الجنة.
والدرجة الثالثة: كبائر المعاصي؛ مثل: الزنا، والسرقة، وشرب الخمر وما إلى ذلك. إذا مات الإنسان وهو مصرٌ على هذه الكبائر فهو تحت مشيئة الله -جلّ وعلا-، إن شاء عفا عنه، وإن شاء أدخله النار وطهره وبعد ذلك مآله إلى الجنة.
والدرجة الرابعة: الإصرار على صغائر الذنوب، يموت الإنسان وهو مصرٌ على صغائر الذنوب لا يتوب منها، فهذه فإذا أصّر الإنسان على هذه فإن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، وحكمها حكم الكبائر في الآخرة.
أما بالنظر إلى الدنيا فإن الشخص إذا كان متصفاً بالشرك الأكبر، أو النفاق الأكبر، أو الكفر الأكبر فواجبٌ عليه أن يعيد النظر في نفسه، وأن يتوب إلى الله -جلّ وعلا-، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، يقول الله -تعالى-: "قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ"[3]، ويقول -جلّ وعلا-: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"[4]، فإذا تاب الكافر كفراً أكبر، أو المشرك شركاً أكبر، أو المنافق نفاقاً أكبر قبل موته فإن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة عن عباده؛ وهكذا بالنظر إلى الشرك الأصغر، وهكذا بالنظر إلى كبائر الذنوب، وهكذا بالنظر إلى الإصرار على الصغائر.
أما دعوى الإنسان أنه مسلم مع أنه يتلبّس بالكفر الأكبر، أو الشرك الأكبر، أو النفاق الأكبر فدعواه للإسلام لا تجعله مسلماً، وهكذا إذا نسبه غيره إلى الإسلام فقال: إن فلاناً مسلمٌ ولكنه في واقع الأمر يرتكب الكفر الأكبر، أو الشرك الأكبر، أو النفاق الأكبر فنسبته إلى الإسلام من غيره لا تجعله مسلماً.
وعلى الشخص أن يعيد النظر في نفسه ويتفقد نفسه وينظر سلوكه، هل هذا السلوك يتفق مع ما أمر الله به من ناحية فعله وما نهى الله عنه من جهة تركه، أو أنه متلبسٌ بشيءٍ من المخالفة في الواجبات أو مخالفةٍ في المحرمات. عليه أن يعيد النظر في نفسه قبل أن يفاجئه الأجل وحينئذٍ لا تنفعه الندامة. وبالله التوفيق.