إذا كان الأقارب يفعلون المنكرات، ونهاهم، ولم ينتهوا، هل يصلهم؟
- فتاوى
- 2021-12-11
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (3355) من المرسل السابق، يقول: روي عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه-، أنه قال: قال رسول الله ﷺ: « إنما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا، اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه في الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله، وشريبه، وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم البعض »[1]. رواه أبوداود، والترمذي، وقال: حديثٌ حسن.
والآن السؤال: إذا كان أقربائي يفعلون المنكر، فنهيتهم عن ذلك مبيناً أدلة التحريم فلم ينتهوا، هل أصل رحمهم؟
الجواب:
بيّن الرسول ﷺ درجات تغيير المنكر، فقال ﷺ: « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه... » الحديث.
والناس ثلاثة أصناف:
الصنف الأول من يستطيع التغيير باليد، وهؤلاء هم أهل الحسبة، وكذلك بالنظر لعلاقة الأب بولده إذا كان ولده على منكر، يستطيع الأب أن يغيّر بيده، وهذا بالنظر إلى بعض الظروف. أما في بعض الظروف قد لا يستطيع. فالمهم أن رجال الحسبة هؤلاء هم يستطيعون أن يغيّروا بأيديهم.
وأهل العلم يستطيعون أن يغيّروا بألسنتهم، فيبيّنون للناس الحرام والحلال، ويقولون لهم: إن هذا أمرٌ لا يجوز، وهذا أمرٌ مشروع، أو واجب، أو مندوب، وما إلى ذلك.
وقد يستخدمون في ذلك الحكمة، وقد يستخدمون الموعظة؛ لأن الشخص الذي يُدعى قد تنفع معه الحكمة، وقد تنفع معه الموعظة، وقد تنفع معه المناقشة، ولهذا يقول الله -جلّ وعلا-: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"[2]، فبعض الناس يكون عاقلاً وتنفع معه الحكمة، وبعض الناس يكون رقيقاً، ويكون عاطفياً، وتنفع معه الموعظة.
وبعض الناس يكون فيه شيءٌ من الاعوجاج، فيحتاج إلى شيءٍ من المناقشة والرد إلى طريق الصواب. فإذا كان الشخص ليس من أهل الحسبة، وليس من أهل العلم، فإنه يبغض المنكر في قلبه.
أو لو فرضنا أنه من أهل اليد ولكن عجز، أو من أهل اللسان ولكن عجز، فحينئذٍ ينتقل إلى بغض المعصية وبغض العاصي، ولو كان أقرب قريب. ولهذا إبراهيم -عليه السلام- لما تبيّن له أمر أبيه تبرأ منه؛ لأنه كان يدعو له في البداية وقال: "لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ"[3]، والله تعالى قال: "وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ"[4].
فالمقصود أن الإنسان يدعو، يعني: إذا كان من أهل اليد، أو إذا كان من أهل اللسان، وإذا تعذر عليه ذلك، فإنه ينتقل إلى بغض المعصية والعاصين، وهذه من جهة الدلالة والإرشاد.
أما هداية التوفيق والإلهام، فإنها بيد الله -جلّ وعلا-، ولهذا الله -تعالى- يقول للرسول ﷺ: "وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ"[5]، ويقول: "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا"[6]، ويقول: "فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ"[7].
وإبراهيم -عليه السلام- لم يهدِ أباه، ونوحٌ -عليه السلام- لم يهدِ ابنه، ومحمدٌ ﷺ قال لعمه: « يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمةً أحاج لك بها عند الله ». فمات وهو على ملة عبد المطلب، فأنزل الله -جلّ وعلا- قوله: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ"[8].
وامرأة فرعون كانت مؤمنة، وكان فرعون طاغية؛ ولكن لم تنفع دعوتها له، وزوجة نوح كانت كافرة، وهو من أولي العزم، ولكن ما نفعها.
وزوجة لوط كانت كافرة، ومع ذلك ما نفعها. فينبغي للإنسان أن ينظر في أمرين في هذا المجال:
الأمر الأول: ينظر إلى حدود مسؤوليته، ويؤدي المسؤولية على حسب قدرته.
والأمر الثاني: أنه في حال أدائه لمهمته ولمسؤوليته، هذا الأداء هو من باب الدلالة والإرشاد. أما هداية التوفيق والإلهام فليست بيده، وإنما هي بيد الله. ولهذا عندما يدعو أحداً، ويكرر الدعوة إليه، يأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر، ولكنه يلاحظ منه صدوداً، فلا ينبغي أن يقع في نفسه شيءٌ من الأسف، ولكنه يسأل الله -تعالى- له الهداية. وهذا الكلام عامٌ لا يختص بالقريب دون البعيد؛ ولكن ينبغي للإنسان أن يعرف مسؤوليته وأن يعرف قدرته. وبالله التوفيق.
المذيع: إذن لو تكرمتم شيخ عبد الله ماذا يفعل هذا مع أقاربه، هل يجالسهم وينكر بقلبه، أم بما تنصحونه؟
الشيخ: إذا دعاهم ولكنهم أصروا فإنه يهجرهم كما سبق في الآية: "لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ"[9]. وبالله التوفيق.
[1] أخرجه أبو داود في الملاحم، باب الأمر والنهي(4/121)، رقم(4336)، والترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن من سورة المائدة(5/252)، رقم(3048)، وابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(2/1327)، رقم (4006).