Loader
منذ سنتين

أين يحرم أهل مكة للحج والعمرة؟


الفتوى رقم (2507) من المرسل ح. ع. ح مصري مقيم في مكة المكرمة، يقول: نُقلت من جدة إلى مكة المكرمة في يوم ثمانية وعشرين، شهر أحد عشر، عام ألف وأربعمائة وتسعة، للعمل بمكة، وعند موعد حج عام ألف وأربعمائة وتسعة، توجهت إلى مقر التنعيم بمكة، وأحرمت للحج والعمرة معا، والآن أرغب في عمل عمرة، فسألت بعض الإخوة عن المكان الواجب الإحرام منه للعمرة، فبعضهم يقول لي: من التنعيم، وبضعهم يقول: من طريق الطائف. سؤالي: ما المكان الحقيقي الواجب عليّ أن أحرم منه لأجل العمرة؟

وسؤاله الثاني: هل عند الحج القادم -إن شاء الله- يكون إحرامي من سكني؛ باعتباري مقيماً بمكة من شهر ذي القعدة الماضي إلى الآن، أو أحرم للحج من التنعيم؟

الجواب:

        الأصل في تحديد المواقيت قوله ﷺ بعد ما حدّد ميقات أهل المدينة بأنه ذو الحُليفة، وميقات أهل نجد بأنه قرن المنازل، وميقات أهل اليمن بأنه يلملم، وميقات أهل الشام بأنه الجحفة، إلى آخر ما جاء في الحديث، قال: « هن لهنّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحجَّ أو العمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة »، ويضاف إلى هذا الحديث ما وقع منه ﷺ في حجة الوداع، فإن عائشة لكانت محرمة بالحج ولما حاضت لم تتمكن، كانت محرمة بالعمرة، ولم تتمكن من أداء العمرة؛ لأنه عرض لها الحيض، فلما ضاق عليها الوقت أمرها الرسول ﷺ أن تُدخل الحج على العمرة؛ يعني: أنها تنتقل من التمتع إلى القِران، فامتثلت أمره ﷺ فقرنت بين الحج والعمرة، وأكملت مناسك الحج، ولمّا طَهُرت طافت بالبيت طوافاً يكفي عن الحج والعمرة، وسعت سعياً بين الصفا والمروة، يكفي عن الحج والعمرة، ثم إنها استأذنت الرسول ﷺ بأن تأتي بعمرة، فقالت له: الناس يذهبون بحجة وعمرة، وأنا أذهب بحجة، فقال لها ﷺ: « طوافكِ بالبيت، وسعيكِ بين الصفا والمروة، يكفيكِ عن حجكِ وعمرتكِ »، ولكن لم تطب نفسها؛ لأنها تريد المزيد من العمل الصالح، وبناء على ذلك أمر الرسول ﷺ أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم، -والتنعيم خارج حدود الحرم-، فخرج بها إلى التنعيم، وأحرمت من التنعيم بعمرة، وجاءت وأدّت العمرة، ثم طافت بالوداع مع الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-.

        فالحديث الأول فيه تحديد المواقيت، وفيه بيان أن أهل مكة عندما يريدون أن يُحرِموا بحج أو بعمرة فإنهم يحرمون من مكة، ولكن قصة عائشة هذه دلت على أن من أراد أن يُحرم بعمرة وهو في مكة، فإنه يخرج إلى الحلّ، وليس المقصود هو الخروج إلى التنعيم -فقط-؛ بل المقصود أن الإنسان يخرج إلى الحلّ؛ يعني: أنه يجمع في إحرامه لعمرته بين الحرم وبين الحلّ، فإن خرج إلى عرفة، أو إلى الجعرّانة، أو إلى التنعيم، أو إلى أي جهة من الجهات الخارجة عن الحرم، وأحرم منه للعمرة فإنه يجزئه؛ لأن حديث عائشة مخصص لعموم حديث المواقيت للحج والعمرة.

        أما ما يتعلق بالإحرام للحج، فإن الشخص إذا كان في مكة؛ سواء دخلها قارناً وحوّل نسكه من قِران إلى تمتع؛ يعني: إنه حوّل العمل إلى عمرة، وأراد أن يُحرم بالحج، أو كان مفرداً ثم حول إفراده إلى عمرة وتحلل بها، أو كان متمتعا وأدى العمرة، وكان في انتظار الإحرام بالحج، فإنه يحرم من مكة؛ لأن الصحابة الذين أمرهم الرسول ﷺ بأن يحلوا إحرامهم؛ لأنهم لم يكن معهم هدي؛ لأن الرسول ﷺ قسّم الناس في حجة الوداع في النهاية إلى قسمين:

        القسم الأول: من ساق الهدي، فهذا بقي على إحرامه؛ الرسول
-صلوات الله وسلامه عليه- ومن ساق الهدي.

      والقسم الثاني: سواءٌ كانوا قارنين، أو كانوا محرمين بالتمتع، أو كانوا مفردين، فالقارن حوّل قرانه إلى عمرة، والمفرد حوّل إفراده إلى تمتع.

        فأصبح الناس إما قارنون، وإما متمتعون؛ المتمتعون حلّوا إحرامهم بعد الانتهاء من عمل العمرة؛ لأن الرسول ﷺ أمرهم بذلك وقال: « لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة »[1]، فطابت نفوسهم بهذا الكلام، وحلّوا إحرامهم؛ يعني: المفردون والقارنون الذين ليس معهم هدي تحوّلوا إلى متمتعين، المقصود أنهم أحرموا من مكة حينما أرادوا أن يُحرموا للحج في اليوم الثامن، فالرسول -صلوات الله وسلامه عليه-: « هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ » فهؤلاء أنشؤوا الحج من مكة.

      فالخلاصة:  أن من أراد الإحرام بالعمرة وهو في مكة، فإنه يخرج إلى الحلّ ويحرم منه؛ أما من أراد أن يُحرم بالحج وهو في مكة، وأنشأ الحج من مكة، فإنه يحرم من مكة؛ أما من كان قادماً وهو يريد الحج، فلا يجوز له أن يتجاوز الميقات الذي مرّ عليه إلا بإحرام؛ سواء أحرم للحج، أو أحرم بالعمرة وتحلّل منها بعد أدائها، ثم بعد ذلك أحرم بالحج من مكة، وهكذا من كان بين المواقيت وبين الحرم.

أما من كان من أهل مكة، فإنه يُحرم بالحج من مكة.

 ومما يجدر التنبيه عليه هنا أن فيه ظاهرة عند بعض الناس يطلِقُون على العمرة بأنها كبرى وصغرى. فالعمرة الكبرى يحرمون بها من التنعيم، والعمرة الصغرى يحرمون بها من بيوتهم في مكة، وهذه التسمية ليس لها أصل، والعمرة واحدة، ومن أراد العمرة سواء كان من أهل مكة أو من غيرهم وهو في مكة، فلا بدّ أن يخرج إلى الحلّ ويُحرم منه؛ سواء خرج إلى التنعيم، أو إلى أيّ جهة من جهات الحلّ. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التمني، باب قول النبي لو استقبلت من أمري ما استدبرت (9/83)، رقم(7229).