معنى قوله تعالى: "وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا"
- التفسير
- 2021-12-04
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (2455) من المرسل السابق، يقول: ما معنى قوله تعالى: "وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا"[1] يقول: ما المقصود بالطريقة؟
الجواب:
هذه الآية فيها بيان أن الإنسان يسلك في حياته مسلكاً ويستمر عليه، ويكون هذا المسلك مختلفاً، قد يكون مسلكاً حسناً، وقد يكون مسلكاً سيئاً، فطريقة تكون حسنة، وطريقة تكون سيئة، وقد تكون الطريقة عامةً، وقد تكون الطريقة خاصةً في الأعمال الحسنة وفي الأعمال السيئة، هذه الاستقامة إذا كانت حسنة كانت نتائجها حسنة؛ لأنها وسيلة توصل إلى غايةٍ طيبة، وإذا كانت الطريقة سيئة؛ فإنها توصل إلى نتيجةٍ سيئة، وعلى الإنسان أن يفكر في نفسه من جهة ما يزاوله من الأقوال والأعمال والمقاصد، فإن القول يكون وسيلة، والفعل يكون وسيلة، والقصد يكون وسيلة، فينظر إلى ما يترتب على هذه الوسيلة من أثر، ولهذا أجمل الرسول ﷺ ذلك بقوله: « كلّ الناس يغدو فبائعٌ نفسه فمعتقها، أو موبقها ».
وجاءت أدلة كثيرة من القرآن ومن السنة فيها الحث على الاستقامة، وأن هذه الاستقامة لا تتم إلا بموافقة الظاهر للباطن، يكون الظاهر حسناً، والباطن حسناً، كما في قوله تعالى: "بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ"[2]، وقوله تعالى: "وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ"[3] وقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا"[4]، إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الأحاديث فمنها قوله ﷺ حينما طلب منه بعض الصحابة الوصية، قال: « قل آمنت بالله ثم استقم »[5].
فهذا اجتمع فيه الجانب التصديقي والجانب العملي. هذه الآثار التي تترتب على الأعمال والأقوال والمقاصد الحسنة، تكون دنيويةً، وتكون أخروية، ولو فكر الإنسان في مجال الحياة وما يمر عليه، وربط هذه الآثار بما يصدر منه من أقوالٍ أو أفعالٍ أو مقاصد؛ فإنه يجد كثيراً من هذه الُآثار نتيجة ما يصدر منه، ولهذا يقول بعض السلف: "إذا عصيت الله عرفتُ ذلك في سوء خلق زوجتي ودابتي"؛ يعني: إن زوجته تسيء معاملته، وإن دابته تسيء معاملته. والله -جلّ وعلا- ذكر في القرآن كثيراً من ذلك، في مثل قوله تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ"[6].
ومن لطف الله -جلّ وعلا- وإحسانه وبره وفضله على خلقه، أنه لا يعاجلهم، ولهذا قال تعالى: "وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ"[7]. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله -سبحانه وتعالى- لا يُعاجل الناس ويعاقبهم؛ بسبب ما يُقدمون عليه من الأعمال.
ففي هذه الآية بيان أن الإنسان عليه أن يستقيم على الطريق السوي، وتظهر له آثاره، وإذا استقام على الطريق المنحرف؛ فإنها تظهر له آثاره، وهذا من جهة دلالة المنطوق، ومن جهة دلالة مفهوم المخالفة. وبالله التوفيق.
المذيع: المرسل السابق يسأل عن معاني كثير من الآيات، ولكن ليس بإمكاننا أن نستوعبها في هذه الحلقة، فلو أرشدتموه إلى بعض كتب التفسير الموثوقة ليرجع إليها.
الشيخ: أما بالنسبة لتفسير القرآن، فلا شك أن تفاسير القرآن متنوعة، وكلّ نوعٍ له أعيان من التفاسير، وهذه الأنواع تخدم القرآن من جوانب مختلفة؛ ولكن إذا كان يريد الوقوف على معاني الآيات، بصرف النظر عما يتعلق بها من التوسع للجوانب البلاغية والنحوية إلى غير ذلك من الأمور؛ فإنه يرجع إلى تفسير ابن جرير الطبري، أو إلى تفسير البغوي، أو تفسير ابن كثير، وأخصرها هو تفسير البغوي، وفيه -أيضاً- تفسير لابن أبي حاتم، هذا تفسيرٌ بالنقل وبالأحاديث الصحيحة والحسنة؛ يعني: إنه لا يذكر حديثاً إلا وقد أخذ العهد على نفسه في بيان درجته، وكذلك البغوي سلك هذا المسلك. وبالله التوفيق.