( الأحكام المتعلقة بالصيام ) لمعالي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان رحمه الله ، لعام 1424هـ
- دروس ومحاضرات
- 2021-05-16
- أضف للمفضلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد :
في هذا المكان من الأيام الباقية من رمضان، سيكون الكلام على ما يتعلق في الصيام ؛ وذلك لحاجة الناس إلى ذلك.
من المعلوم أن الصيام ركنٌ من أركان الإسلام، والأصل في مشروعيته قول الله جل وعلى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”
إلى آخر الآيات التي تتعلق بالصيام.
وجاء في السنة "بني الإسلام على خمس"، وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم منها صيام رمضان . والصيام له أركان ، وله شروط، وله عوارض تعرض للإنسان في أثناء صيامه، وله آداب يتأدب بها الشخص .
والصيام له أنواع أيضًا ؛ منها ما هو واجب بإيجاب الله ابتداءً، ومنها ما أوجبه الله جل وعلى على العبد ولكن بسبب من العبد، ومنها ما أوجبها العبد على نفسه، ومنها ما يكون على سبيل التطوع ؛ والتطوع تارة يكون مقيداً بالنظر إلى ما جاء من الأدلة، كما جاءت الأدلة دالة على صيام الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وأفضل الصيام صيام داوود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، إلى غير ذلك من الأدلة التي جاءت دالة على أفضلية صيام أيام معينة .
وقد يكون الصيام مطلقًا، وإطلاقه يعني أنه لم يأتِ دليلٌ يدل على تعيين هذا اليوم بعينه، وعلى هذا الأساس فيصوم الشخص إلاّ ما جاء بالنسبة لأيام يحرم صيامها، وهذه أيضًا سيأتي الكلام عليها، هذه الموضوعات هى التي ستكون موضعًا للكلام في هذا المكان بعد صلاة كل فجر من الأيام الباقية من الشهر .
وإذا نظرنا إلى الصيام، وجدنا أنه يختلف عن العبادات الأخرى، ذلك أن العبادات من حيث الأصل منقسمة إلى ثلاثة أقسام، عبادات بدنية محضة، وعبادات مالية محضة، وعبادات مركبة من البدنية ومن المالية.
العبادات البدنية ؛ كالصلاة والصيام . والعبادات المالية ؛ كالزكاة والصدقة . والعبادات البدنية المالية ؛ مثل الحج والعمرة ، ومثل الجهاد في سبيل الله.
وإذا نظرنا إلى العبادات البدنية المحضة وجدنا أنها تنقسم أيضًا إلى قسمين :
أما القسم الأول فإنه ظاهر للناس .
وأما القسم الثاني فإنه باطن .
فالظاهر للناس ؛ كصلاة الإنسان مع جماعة المسلمين في المسجد .
أما الصيام فإنه سرٌ بين العبد وبين ربه، فكما أنه يحفظ نفسه عن المفطرات علانية، فهو أيضًا يحفظ نفسه عن المفطرات في موضعٍ لا يراه إلا الله، ويتحقق في الصائم قول الله جل وعلى " الصيام لي وأنا أجزي به ترك طعامه وشرابه من أجلي "، وكذلك قول الله جل وعلى “ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ>” فالصائم يخشى الله جل وعلى في السر، وهذه الخشية دليل على قوة إيمان هذا الشخص ؛ لأنه يستطيع أن يظهر للناس أنه صائم ولكنه إذا خلى في مكان لا يراه إلا الله فإنه يستعمل المفطرات، لكن عندما يمتنع منها سراً كما كان يمتنع عنها علانية، فلا شك أن هذا دليل على قوة إيمانه،.
وبهذا يتبين أن الله جل وعلى قال " الصيام لي وأنا أجزي به ": ومعنى ذلك : أن الصيام له فضل عظيم ؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة ؛ لكن الصيام خاص بالله جل وعلى يثيب عليه.
وجاءت أدلة كثيرة دالة على فضل الصيام، والشخص يؤدي هذا الصيام، صيام رمضان وهو القسم الأول من أقسام الصيام، بأن الله سبحانه وتعالى أوجب الصيام بدون سبب من العبد.
وكذلك يصوم ما أوجبه الله على العبد، ولكن العبد سبب، ويجتمع في ذلك جميع الزواجر والجوابر من الصيام؛ فصيام الكفارات، كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الجماع في نهار رمضان، وكذلك ما يقع من خطأ في الحج والعمرة يوجب هديًا، فمن لم يستطع يصوم عشرة أيام، وما يقع من الأخطاء في الحج من ترك واجب أو فعل محظور يترتب عليه هديًا، فإن لم يجد فإنه يصوم، فهذا صيام أوجبه الله على العبد، ولكن العبد هو السبب.
والقسم الثالث: ما أوجبه العبد على نفسه ابتداءً، فالإنسان الذي ينذر أنه يصوم يومًا أو أسبوعًا أو شهراً، فإنه يؤدي هذا الصيام، وهو السبب في إيجابه على نفسه، والوفاء بالنذر من صفات الإيمان " يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا" ، وهو واجبٌ ؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه " .
فتبين لنا من هذا أن حكم الصيام يختلف، فتارة يكون واجبًا، أو ركنًا، أي تارة يكون ركنًا من أركان الإسلام، وتارة يكون واجبًا، وتارة يكون تطوعًا، فإذن يكون ركن فهذا حكم، يكون واجبًا بإيجاب الله على العبد، والعبد هو السبب يكون واجبًا، بإيجاب العبد على نفسه يكون تطوعًا، والتطوع تارة يكون معينًا، وتارة يكون مطلقًا. هذا بالنظر إلى فضل الصيام من جهة، وإلى حكم الصيام من جهة أخرى. بعد هذا إذا نظرنا إلى الصيام وجدنا أنه يشتمل على أركان :
الركن الأول: الصائم .
والركن الثاني: الصيام.
والركن الثالث: المصوم له.
والركن الرابع: الغاية من الصيام.
فإذا نظرنا إلى الركن الأول، وهو الصائم، وجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " رفع القلم عن ثلاثة، الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق" إلى آخر الحديث.
فعلى هذا الأساس الشخص الذي لم يبلغ وعلامات البلوغ بالنسبة للرجال، وبالنسبة للنساء، بلوغ خمسة عشر سنة، أو احتلام، أو نبات شعر خشن في القُبل، هذه العلامات الثلاثة مشتركة بين الرجال والنساء، وتزيد المرأة علامة رابعة، وهي وجوب الحيض، فهو علامة من علامات البلوغ، وكذلك إذا كان فاقداً للعقل، وكذلك إذا كان كافراً، ومصراً على كفره، فإن الصيام لا يصح منه. وبهذه المناسبة أبين لكم مسألة لها أهمية كبيرة تتعلق بالكافر، هذه المسألة هى أن الكافر إذا مات على كفره، أو المنافق إذا مات على نفاقه، النفاق الأكبر، والكفر الأكبر، أو مات على شركه، الشرك الأكبر، فإنه خالد مخلد في النار. أما إذا أسلم قبل أن يموت فمن فضل الله وإحسانه أنه يتكرم عليه بثواب ما عمله من أعمال صالحة في كفره، ويتجاوز عن جميع ما حصل منه من مخالفات في حالة كفره. ، يقول الله جل وعلى في الأول " وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا" وهذا خاصٌ فيمن يموت على الكفر الأكبر، أو الشرك الأكبر، أو النفاق الأكبر.
أما الثاني فإن الله جل وعلى يقول " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين" ، فهذه الآية فيها بيانٌ أن الله جل وعلى يعفو جميع السيئات التي عملها الشخص في كفره، أو في شركه، أو في نفاقه، وهذا من فضل الله جل وعلى. بهذا تبين لنا أن البلوغ والعقل والإسلام، أن البلوغ بإحدى العلامات التي ذكرتها، وأن العقل، وأن الإسلام . هذه شروط للصيام، والصبي عندما يصوم بعد بلوغه سبع سنوات، إذا بلغ سبع سنوات، وصام، فهو في هذه الحالة يصح منه إحضار النية، أما قبل سبع سنوات، فلو صام، فإن صيامه لا يكون معتبراً، وهذا بخلاف الصبي في الحج، فإن الصبي لو حج به وعمره سنة، أو عمره سنتان، فله حجٌ، وللحاج به أجراً، ولكن هذا الحج لا يكون فرضًا، وإنما يكون تطوعًا ؛ ولهذا فإن المرأة التي رفعت ولدها للرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت : يا رسول الله " هل لهذا حج، قال : نعم، ولك أجر " وهذا طفل صغير .
بهذا يتبين لنا ركن من أركان الصيام ، وهو الصائم .
أما المصوم له : فهو الله جل وعلى ؛ لأنك تصوم ، أي نوع من أنواع الصيام، تصوم وتقصد بصيامك هذا وجه الله جل وعلى، وهذا القصد نية في القلب لا يطِّلع عليها إلا الله، هذا هو المصوم له.
وأما الغرض من الصيام وهو ركن من أركان الإسلام وإن شئت أن تقول الصيام بجميع أنواعه، الله سبحانه وتعالى بيّن في القرآن ثواب الأعمال الصالحة، وبيّن عقوبات الأعمال المحرمة، فإذن الغرض من الصيام هو حصول الأجر من الله جل وعلى، هذا هو الغرض من الصيام.
وأما الركن الرابع وهو الصيام، فحقيقته الإمساك من وقت محدد حدده الشارع إلى وقت حدده أيضًا " فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ثم أتموا الصيام إلى الليل" فأنت تمسك عن جميع المفطرات في هذه الفترة. ، وسيأتي الكلام على هذه المفطرات؛ لأنها تعتبر من عوارض الصيام.
فتبين لنا من هذا حكم الصيام من جهة، وأنواعه من جهة أخرى، وأركانه من جهة ثالثة .
وبهذا الكلام ينتهي هذا الدرس، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.