حكم نصب النصب بعد وفاة الميت للدعاء له وقراءة القرآن وذبح الذبائح وتوزيع الأكل وتكرار ذلك كل فترة
- توحيد الألوهية
- 2021-09-08
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1397) من المرسل أ. س. ق من مصر - محافظة قنا، يقول: عندنا من ضمن العادات والتقاليد بعد وفاة الميت -سواءً كان ذكراً أو أنثى- وإذا كان فقيراً أو غنياً لازم وحتماً أن يُنصب له نصبة بعد الدفن، وتكون بتلاوة القرآن الكريم، وبعد ذلك في آخر الأسبوع يقوم أهل الميت بذبح الذبائح، ويأكل منها كل واحد يحضر للعزاء، وتُكرر نفس الحكاية الذبح والأكل بعد أسبوع، وتُكرر مرة أخرى بعد اليوم الخامس عشر، وتُكرر هذه العملية بعد أربعين يوماً، ويكرر هذا الوضع بعد ستة شهور؛ وكذلك بعد مرور السنة، وفي كلّ مرة من هذه المرات يقوم أحد أفراد أسرة الميت بكتابة الرسائل وتوزيعها على الأهل والأصدقاء والجيران لكي يحضروا هذه الأيام، وفي أثناء الجلسة يقوم أهل الميت بتوزيع القهوة والسجائر على الموجودين؛ في حين أن أغلب الأوقات يكون أهل الميت في حاجة إلى كلّ قرش يُصرف في هذه الأيام؛ ولكن لم يستطيعوا أن يمنعوا هذه العادات خوفاً من كلام الناس وأحاديثهم، وبعضهم يستلف النقود وتكون ديناً عليه، وتقوم النساء -كذلك- بعد الأسبوع الأول من دفن الميت بزيارة القبور، وتقريب الفطائر فيما يبدو لي والبلح ويقولون على روح الميت، وتكرر هذه الحكاية بعد اليوم الخامس عشر، وبعد اليوم الأربعين، فهل هذا حرام أم حلال، وزيارة النساء للمقابر أيضاً؟
الجواب:
هذه المسألة مهمة نظراً إلى أن السؤال عنها كثير ومن جهات مختلفة، ومن أجل ذلك سيكون الجواب فيه شيءٌ من التفصيل على قدر وقت البرنامج، وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول: هو أن السنة في التعزية هو تعزية أهل الميت؛ سواءٌ كان ذلك قبل الدفن، أو بعد الدفن؛ ولكن لا يكون فيه تحديد مكان معين يستمر عليه الناس ويعتادونه، فإن حصلت التعزية في المقبرة، أو حصلت التعزية في المسجد، أو حصلت التعزية في الطريق، أو حصلت التعزية في بيت المتوفى؛ فالأمر في ذلك واسع، ولكن التزام نهجٍ معين كالنهج الذي ذكره السائل فهذا لا ينبغي.
فالوجه الثاني: أن بعض الجهات تسلك مسلكاً وهو: أنه إذا مات الميت ينصبون خياماً يجتمع فيها الناس، ويجلسون يومين أو ثلاثة أيام يأكلون ويشربون على حساب أهل الميت. والتركة قد يتعلق بها ثلث للميت، وقد يتعلق بها ديون للغرماء، ويتعلق بها إرث للقُصّار، ويتعلق بها إرث للنساء، ويكون المُتسلط على هذه الترِكة واحداً وهو الكبير، فيصرف جزءاً كبيراً منها في هذا الجانب، فإقامة هذا المكان من الأمور البدعية؛ يعني: إقامة مكان للعزاء خاص على هذا الوجه الذي ذكره السائل وما في معناه؛ هذا من الأمور المبتدعة لا يجوز.
الوجه الثالث: هو صرف المبالغ والنفقة على هؤلاء من أكل وشرب؛ وكذلك قد يشترون الأشياء التي ينصبونها، فلا يجوز أن يُصرف شيءٌ من التركة إلا على حسب ما شرعه الله -جلّ وعلا-، وليس هذا منه.
الوجه الرابع: ما يفعلونه على سبيل التكرار؛ يعني: بعد سبعة أيام، وبعد خمسة عشر يوماً، وبعد أربعين يوماً، وبعد ستة أشهر، وبعد سنة؛ كلّ هذا من الأمور المبتدعة، وهو داخل في عموم قوله ﷺ: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد »، فلا يجوز فعل ذلك من الأمور المبتدعة.
الوجه الخامس: ما ذكره السائل من جهة زيارة النساء للقبور، فلا يجوز للنساء زيارة القبور؛ لعموم قوله ﷺ: « لعن الله زائرات القبور... ».
الوجه السادس: ما ذكره السائل من جهة توزيع الأطعمة في المقبرة على أساس أنها لروح الميت، هذا لا يجوز لهم أن يفعلوه؛ لأنه لم يُفعل على عهد الرسول ﷺ، ولم يُفعل على عهد خلفائه وأصحابه وسائر القرون المفضلة. نعم، يُمكن أن الشخص يتصدق عن الميت ولكن ليس بهذه الطريقة؛ بل يوزعه على الفقراء ولا يذهب به إلى المقبرة؛ لأن هذا قد يُحدث غلواً في صاحب القبر؛ فالمقصود أنه لا يجوز أن يُفعل ما ذكره السائل.
الوجه السابع: ما ذكره السائل من أنهم يوزعون الدُخّان من أجل إكرام الحاضرين الذين حضروا، وهذا -أيضاً- لا يجوز لا بالنسبة لهذه الحال ولا بالنسبة لغيرها؛ لأنه محرم.
هذه وجوه تطرقت إليها بالنظر إلى كثرة وقوع هذه المسألة.
وأما علاج هذه المسألة فإنه يُمكن بأمور:
الأمر الأول: على الأشخاص الذين تحصل عندهم وفاة لأحد من أقاربهم أن يتركوا هذه العادة.
والأمر الثاني: على أهل البلد الذين يموت عندهم هذا الميت عليهم أن يمنعوا أنفسهم من إحراج أهل الميت في هذا الأمر.
الأمر الثالث: على الجهات المسؤولة كالحُسبة أن تمنع هذا الشيء بالتعاون مع الجهات المسؤولة الأخرى؛ لأن هذا منكر، والرسول -صلوات الله وسلامه عليه- قال: « من رأى منكم منكراً فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه... » الحديث، وذلك أن من الناس من تكون له سُلطة يُنفذ بيده، ومنهم من لا تكون له سُلطة التنفيذ بيده؛ ولكن عنده قدرة على بيان الحكم، ومنهم من لا يستطيع الأول ولا الثاني لسببٍ ما من الأسباب فهذا يُنكر بقلبه. فالحُسبة هي المسؤولة عن هذا الأمر من ناحية التنفيذ.
الأمر الرابع: من طرق علاج هذا الأمر هو أن الخُطباء في الجوامع ينبهون الناس على ذلك؛ وكذلك إذا كانت البلد تُقام فيها محاضرات وندوات، فإن هؤلاء يعالجون هذه المشكلة، يعطونها حقها من أجل امتناع الناس عنها، وكذلك بالنسبة للقُضاة الموجودين في البلدان التي تُعمل فيها هذه المنكرات عليهم أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يبينوا للناس حكم الله -جلّ وعلا- في هذه الأمور؛ وذلك لأن القُضاة هم محل ثقة الناس، وهم الذين تُعتبر أقوالهم عند الناس، فإذا حصل تظافر من هذه الجهات التي ذكرت فسيزول ذلك بإذن الله، وإذا استعصى الأمر ولم تتمكن هذه الجهات المذكورة من علاج هذا الأمر، فالحكومة -وفقها الله- حريصة كلّ الحرص على ما يُحقق مصالح الناس، فبإمكان من هو منوط به هذا الأمر على سبيل الابتداء أن يُبلّغ الجهة التي تتمكن من علاج هذا الأمر بشكلٍ أوسع من جهة وبشكلٍ أحزم وأنفذ من أجل أن يزول هذا الأمر. وبالله التوفيق.