Loader
منذ 3 سنوات

حكم العمل في الوظائف الحكومية


  • الكمال
  • 2021-12-04
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (2428) من المرسل ع. أ. ع من مصر، يقول: إخوانٌ لنا يعتقدون أن شغل أي وظيفة من الوظائف الحكومية كفرٌ مخرجٌ من الملة، ويستدلون على ذلك بأن في ذلك معاونة عند السلطان، يستدلون بقوله تعالى: "فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى"[1]، ويقولون: إنه من الكفر بالطاغوت عدم العمل في وظائف من لا يحكم بما أنزل الله، فما رأيكم في هذا القول وفي هذا الاستدلال؟

الجواب:

لا شك أن تحكيم الشريعة واجبٌ في جميع أمور الناس؛ لأنها شريعةٌ كاملة، كما قال تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"[2]. وشاملةٌ -أيضاً- للإنس وللجن، كما في قوله  تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا"[3]، وقوله تعالى: "قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ"[4]، وكذلك جاءت الأدلة دالة على وجوب الحكم بما أنزل الله، كما قال  تعالى: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ"[5]، "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"[6])، "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"[7].

وجاءت أدلة كثيرة في القرآن دالة على وجوب الحكم بما أنزل الله، وأنه يجب على الإنسان أن يعتقد أحقية هذا الحكم، وأن يسلّم تسليماً كاملاً، كما قال تعالى: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"[8]، فكلٌّ مسؤول ائتمنه الله -جلّ وعلا- على رعية من الرعايا، وعلى شعبٍ من الشعوب، يجب عليه أن ينصح لهم؛ لأنه مسؤولٌ عنهم يوم القيامة، كما قال ﷺ:« كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته ». وواجبٌ عليه أن ينصح لهم، وأن يضعهم في المواضع التي ترضي الله -جلّ وعلا-، وأن يجنبهم مواضع سخط الله -جلّ وعلا-، قال تعالى: "فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)"[9]؛ ولا شك أن من تولّى أمراً من أمور المسلمين، ولم ينصح لهم، فلا شك أنه غاشٌ في هذا وآثمٌ، وهو يستحق من العقوبة بقدر ما يفعله من الجرم.

وأما بالنسبة للشخص الذي يتوظف، فإن الشخص عندما يناط به عمل فإنه مسؤولٌ عن عمله هذا، ويؤدي هذا العمل على وُفق ما يرضي الله -جلّ وعلا-؛ لأنه راعٍ عليه، بصرف النظر عن حجم العمل، وعن مكان العمل، وعن زمان العمل. فيتصور عمله ويؤديه على الوجه الأكمل، وبإمكانه أن يسعى إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى الدعوة إلى التمسك بدين الله -جلّ وعلا-، وهو كما أنه يدعو، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر بقوله، فعليه أن يطبّق بفعله؛ لأن كثيراً من الناس يتصف بحلاوة اللسان في القول؛ ولكنه في باطن أمره أو في أفعاله يكون مخالفاً لما يتكلم به، والله تعالى يقول: "كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ"[10]، فالشخص يثبت للناس بأنه يصدّق قوله بفعله، ويثبت لربه بأن سره وعلانيته على سبيل السواء، وبهذه الطريقة يكون هذا الشخص لبنة من لبنات المجتمع الذي هو فيه، فإذا وُجد أشخاص من هذا النوع، فلا شك أنه سيكون لهم أثرٌ طيبٌ على المدى البعيد، ويتعاونون على البر والتقوى، ولو أن الشخص الذي يكون في حالة ٍ طيبةٍ من دينه، وعنده قدرة على أداء الوظيفة أداءً شرعياً يتخلى عنها ويتركها، فقد يأتي فيها شخصٌ يحصل منه ضررٌ على المسلمين، ولا شك أن هذا ليس بمناسب؛ بل على كلّ شخصٍ يحس من نفسه أنه يستطيع أن يؤدي العمل على أكمل وجهٍ، أوعلى ما أمكنه من الأداء على الوجه المطلوب، فعليه أن يؤدي العمل، وأن يستمر فيه، وألا ينظر إلى كلام الناس الذين ليس لديهم فهمٌ في الشريعة؛ وإنما يتكلمون كلاماً يكون منبثقاً عن مجرد تصوراتٍ في الذهن، وليست راجعةً إلى أصل شرعي. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (256) من سورة البقرة.

[2] من الآية (3) من سورة المائدة.

[3] من الآية (28) من سورة سبأ.

[4] من الآية (19) من سورة الأنعام.

[5] من الآية (44) من سورة المائدة.

[6] من الآية (45) من سورة المائدة.

[7] من الآية (47) من سورة المائدة.

[8] الآية (65) من سورة النساء.

[9] الآيتان (6، 7) من سورة الأعراف.

[10] الآية (3) من سورة الصف.